حسن فضل المولى يكتب: عبدالكريم الكابلي… القومة ليك .. 2021/06/27 طاف بالقلب وغنى للكمال وأشاع النور في سُودِ الليالي ) .. أي صوتٍ هذا ما أنا بصدده .. و المناسبة ، أنني كنت و أخي المخرج الألمعي ( شكرالله خلف الله ) ، نتساقى الحديث في حديقة ( هايد بارك ) الكائنة بالموردة ، عن صنوف ( المطربين ) ، و كان من ما استوقفنا ، أن كثيراً منهم مجرد مؤدين ، لا يقدمون و لا يؤخرون ، و قِلَةٌ منهم يتخذون من فنهم ( مشروعاً ) ، يبذلون على جوانبه الجهد و الفكرة و الإتقان و المعرفة .. قلت له من أولئك ( فُلان ) و ( فُلان ) قال لي : و ( كابلي ) .. مُشرَعٌ يَرِدُهُ الظِماء فيصدرون عنه وقد ارتووا زلالاً وسلسبيلا .. ( كابلي ) عالِمٌ ، وخبيرٌ، و باحث ، و شيخ طريقة .. و أنا ما رأيت مطرباً ، اجتمعت له شوارد الكلمات ، وبدائع الألحان ، و روائع الموسيقى ، و فرائد ألوان الأداء ، كما اجتمعت ( لكابلي ) .. إنه متحدثٌ ، يأتيك حديثه كغنائه .. مُنَغَماً ، و مُنَمَقاً ، و موزوناً ، و له حلاوة و عليه طلاوة .. و ملحن مثَّال .. يجعل ( الكلمة الرقيقة تتفتح حديقة ، تتفجر عيون ) .. ومؤدٍ عندما استمع إليه .. مجلسي فوق السحاب والبروق تبرق و أكاد لا أصدق ) .. يحلق بي حيث لا أمنيات تخيب ولا كائنات تمر ) .. ( صفي الدين الحلي ) .. فأنعس أيقاظاً وأيقظ نُوّما وحَبَسَ من الأوتار مثنىً ومثلثا فحَفَّت بنا الأفراح فرداً وتوأما إذا رَتَلَت ألفاظُه الشعرَ مُعْرَباً أعادت لنا أوتارُهُ اللفظ مُعْجَما ) .. و لو لم يكن ( كابلي ) مُسْتودَعاً ، لكل هذه النفائس والمواهب والقُدُرات ، لما تَأَتَّى لنا أن تعْمُرَجوانحنا ، و تطرب نفوسنا ، و تميل رؤوسنا لكلمات تستعصي على القراءة ، ناهيك أن تُنشَدَ وتُغنى .. و هَاكَ ( أمطرت لؤلؤاً ) .. ( نالت على يدها مالم تنله يدي نقشاً على مِعصمٍ أوْهَت به جلدي كأنه طُرْقُ نملٍ في أناملها أو روضة رصعتها السُحب بالبَرَد وقوسُ حاجبها من كل ناحية ونَبْلُ مقلتها ترمي به كبدي مدت مواشِطِها في كفها شرَكاً تصيد قلبي بها من داخل الجسد إنْسِيَّةٌ لو رأتها الشمس ما طلعت من بعد رؤيتها يوماً على أحد  سألتها الوصل قالت : لا تغُرَّ بنا من رام منا وصالاً مات بالكمد فكم قتيل لنا بالحب مات جَوَىً من الغرام ولم يُبدي ولم يَعِدِ فقلت استغفر الرحمن من زللٍ إن المُحب قليل الصبر والجلد ) .. ولو أن ( زياد ابن أبيه ) ، شاعرها ، بُعث حياً ، واستع إليها من ( كابلي ) ، لحارَ ، وماصدق سمعُه .. ومن غير ( كابلي ) كان قادراً على تطويع قصيدة آسيا وأفريقيا !! ويطل الفجر في قلبي على أَجْنُحِ غيمة .. و أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر !! و أكاد لا أصدق .. و أين من عيني هاتيك المجالي يا عروس البحر يا حلم الخيال .. و ضنين الوعد من فؤادٍ يبعثُ الحب نديِّا إن يكن حسنك مجهول المدى فخيال الشعر يرتاد الثريا .. و أنا ليس بمقدوري وصف تطريبه وما يودعه النفوس من سحر .. ولكن .. تخيل أنك جالس على شط البحر ، وأنت ترقب حركة الأمواج وهي تصطفق ، و كيف أن الموجة تشرئب ، ثم تقبل عليك ، وهي تعلو وتهبط وتتراقص ، في انسياب موزون ، إلى أن تصل إلى منتهاها عندك بسلاسة ، لتعقبها أخرى بالايقاع ذاته و الاتساق نفسه .. أو ليس هذا ما يتراءى لك وأنت تستمع إليه في ( شذا زهر ) و أخواتها !! ( شذا زهرٌ ولا زهر فأين الظل والنهر ربيع رياضنا ولى أمن أعطافك النشر وهذا النَوْرُ يبسم لي عن الدنيا و يَفْتَرُ وأنظر لا أرى بدراً أأنت الليلة البدر وبي سُكر تملكني وأعجب كيف بي سكر رددت الخمر عن شفتي لعل جمالك الخمر نعم أنت الرحيق لنا وأنت النور والعطر وأنت السحرُ مقتدراً وهل غير الهوى سحر خذوا الدنيا بأجمعها حبيب واحد ذخر إذا ضاءت مطالعه فكل سمائنا بدر خذوا دنياكم هذي فدنياواتنا كُثْرُ) .. إن تتبع مسيرة ( كابلي ) الغنائية ، لا يطالها إلا أولو الطَول ممن تبحروا في هذا الفن ، وغاصوا في تجربة هذا ( البحر ) بعيد الأعماق مترامي الأطراف .. وما أنا فيما ذهبت إليه ، إلا مُحبٌ اجْتَهَدَ في أن يَرشُفَ بعض الرحيق من أزاهيره الفوَّاحة ، مستجيباً لنداء الروح وأشواق الوجدان .. ولم يستغرقني البحث و الوصف والتقصي و التفسير، و لم أشأ أن أتحدث عن مناقبه و حسن شمائله وهي كثيرة ، من رزانةٍ و لُطْفٍ و حِنِيَّة و وفاء ، بل أسلمتُ قِيادي لكلمات أغنياته ، التي تصادف هوىً في نفسي ، فكانت هذه اللوحة ، غير المكتملة ، و هو بعض ما قدرت عليه ، و أسعفتني به حصيلتي المتواضعة .. و إن أنسى ما أنسى ، أنني عندما غادرت تلفزيون السودان في العام ٢٠٠٢ كان حفيَّا بي ، إذ أقام لي مأدبة عشاء بنُزُلِهِ العامر ، دعا لها لفيفاً من الأحباب والأصدقاء والمقربين ، غمرني خلالها بأُنسِهِ وشملني بوُده ، وأفاض علي من صادق مشاعره .. و تبقى الكتابة عن ( كابلي ) لكل من رامها .. شاقة كتسلق الجبال الشاهقة و مرهقة كمغازلة حبيبٍ صعب المِراس و لكنها ..