محمود مشارقة
عنوان صادم أوردته الوكالة الفرنسية عن أعداد المطالبين في قضايا سداد ديون في الأردن، والذي استند الى تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الصادر في 16 مارس الماضي ومفاده أن أكثر من ربع مليون أردني يواجهون حاليا شكاوى لعدم سداد ديونهم.
عنوان التقرير : "آلاف المدينين مهددون بالسجن في الأردن لعدم سداد قروضهم" ، حيث نقل عن إحصاءات حكومية، أن عدد الأفراد المطلوبين بسبب عدم تسديد ديونهم زاد عشرة أضعاف في أربع سنين فقط، من 4352 في 2015 إلى 43624 في 2019"، مشيرة الى أن 2630 شخصا سجنوا في 2019 بسبب عدم سداد ديون أو شيكات مرتجعة باسمهم.
وتقول منظمة حقوق الانسان :"في غياب شبكة ضمان اجتماعي مناسبة، يجد عشرات آلاف الأردنيين أنفسهم مجبرين على الاقتراض لتغطية تكاليف الخدمات والبقالة والرسوم المدرسية والفواتير الطبية".. الى هنا انتهى الاقتباس من الخبر الذي أخذ أراء متعثرين عن السداد .
ظاهرة التخلف عن السداد تزايدت خلال فترة جائحة كورونا ، وستكون اعداد المطالبين في قضايا مالية أكثر بكثير من الرقم المذكور في التقرير مع تقلبات سوق العمل ، لكن الحديث الأهم في التقرير الوارد ليس الأرقام فقط وانما شبكة الأمان الاجتماعي المفقودة.. ولكم أن تتخيلوا لو كان واقع التعليم والصحة والضرائب مختلفا في بلادنا لما وصلنا الى هذا الحال المزري.
حقيقة لا يخلو خطاب تكليف سام للحكومات المتعاقبة من بند تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي ، لكن سياسات ونهج هذه الحكومات يتعارض فعليا مع توجيه الملك الصريح بتوسيع شبكة المنظومة الاجتماعية وايصال الدعم لمستحقيه ، فالمخصصات المرصودة لا تكفي ولا تغني من جوع ، واعداد الفقراء في الأردن في ازدياد مضطرد، حيث تشير ارقام البنك الدولي الى أن نسبة الفقر المطلق بين الأردنيين وصلت إلى 15.7%، وتمثل 1.069 مليون أردني، فيما بلغت نسبة فقر الجوع (المدقع) في الأردن 0.12%، أي ما يعادل 7993 فردا أردنيا، وفق آخر مسح خاص بدخل ونفقات الأسرة نفذته دائرة الإحصاءات العامة (2017-2018)، ومع تداعيات الجائحة فأن أعداد جديدة دخلت دائرة الفقر ، ومن الممكن أن يتجاوز عدد الفقراء مليوني شخص بحسب المعايير الحكومية ، لكن العدد الحقيقي والفعلي للفقراء في الأردن بالمعايير الدولية يفوق هذا الرقم بكثير الى أن يصل نصف السكان أو أكثر دون مبالغة ، فيما تشير الاحصائيات إلى أن البطالة في البلاد وصلت الى 25 % في المتوسط و50% في أوساط الشباب في الأردن.
السؤال هل نفتقر للسياسات ناجعة التي تعزز شبكة الأمان الاجتماعي ؟ الجواب نعم وبدون مواربة وقد فشلنا في تحقيق الحد الأدنى من المطلوب اقتصاديا.. فالتحول من اقتصاد ريعي الى اقتصاد السوق يحتاج لحلول تعزز حركة العمل والإنتاج وبناء اقتصاد قادر وقابل للنمو المستدام وخلق فرص عمل بما يعزز الأمن الاجتماعي والوظيفي.
الحديث في هذا الملف طويل وذو شجون .. وعلينا هنا أن نتوقف في حديثنا عن القضايا الهامشية الى التركيز على القضايا الأهم ، فالإصلاح السياسي يتطلب اصلاح اقتصادي معزز للبيئة الاجتماعية الحاضنة ، لأن معظم مطالب الناس اقتصادية بالدرجة الأولى وهي تحسين مستوى المعيشة .. لنعلو عن الهويات الفرعية الى الهوية الجامعة التي عمادها المواطنة والانتقال في بوصلة تفكيرنا إلى قضايا أعمق. السياسة والاقتصاد هنا وجهان لعملة واحدة فاذا أردنا حياة سياسية مستقرة علينا تغيير النهج الاقتصادي باتجاه تقليل اعداد الفقراء ومستحقي الدعم وزيادة النمو وتشجيع الاستثمار والقطاع الخاص القوي .. علينا تحرير المواطن من أسر البنوك ومؤسسات الاقراض التي اثقلت كاهله ودفعته نحو المجهول .
مواضيع قد تعجبك