القاهرة- لم يحرك مجلس الأمن الدولي ساكنا فيما يتعلق بقضية سد النهضة الإثيوبي، هذا ما يبدو من نتائج الجلسة التي عقدها المجلس بناء على طلب دولتي المصب -مصر والسودان- لمناقشة مشروع قرار قدمته تونس بشأن سد النهضة تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.
وبدا من كلمات مندوبي أعضاء المجلس أن الأغلبية تميل إلى اعتبار الاتحاد الأفريقي هو المكان الأنسب لحل الخلاف من دون قيد أو شرط، وذلك رغم فشل الاتحاد في التوصل إلى اتفاق ثلاثي بشأن الأزمة التي تتحرك فيها مصر والسودان في مكانهما، في حين تتقدم إثيوبيا بخطوات ثابتة.
لكن ماذا بعد الجلسة التي عقدها مجلس الأمن، الخميس الماضي، وعلقت مصر والسودان عليها آمالا كبيرة؟ وماذا عن القرار التونسي الذي لم يطرح للنقاش أو التصويت؟ هل بات في حكم خبر كان أم أنه معلق لإجراء المزيد من المشاورات، أم أنه رهن المواءمات السياسية؟
المشروع التونسي الذي لم يتم التصويت عليه في جلسة الخميس الماضي كان يدعو أديس أبابا إلى التوقّف عن ملء خزان سد النهضة، وأن يطلب مجلس الأمن من مصر وإثيوبيا والسودان استئناف مفاوضاتهم لكي يتوصّلوا، في غضون 6 أشهر، إلى نص اتفاقية ملزمة لملء السدّ وإدارته، بحسب وكالة فرانس برس.
وفي غياب التصويت واتخاذ قرار حاسم من جانب المجلس والاكتفاء بعرض المواقف من جانب الأعضاء، كان من المثير أن ممثلي كل من إثيوبيا ومصر والسودان تحدثوا بلهجة الانتصار، وعاد كل فريق وهو يظهر الفرحة بما تحقق من وجهة نظره.
الجميع رابحون
مصر التي تبدو الطرف الأضعف والأكثر تضررا في هذه الأزمة، دافعت عن خطوتها بالتوجه لمجلس الأمن، ووصفها وزير خارجيتها سامح شكري "بالإنجاز"، وفي مداخلته مع الإعلامية لميس الحديدي على قناة "أون" (ON) الخاصة، مساء السبت الماضي، ذكر "أن يعقد المجلس جلسة علنية (حول السد) في سنتين متتاليتين هو إنجاز".
وأضاف "المجلس كان يتجنب ويتذرع بأن هذه القضايا ليست ذات أهمية ترقى لتناول المجلس ومرتبطة بالنطاق الاقتصادي والتنموي وقضايا الأنهار، ولكن أن ينعقد مرتين متتاليتين، هو إنجاز لم يحدث على مدى 75 سنة وهو عمر المنظمة".
أما إثيوبيا فكانت أكثر وضوحا في التعبير عن "انتصارها" في مجلس الأمن، واعتبرت أنه لا طائل من تدويل هذا الملف، وهو ما كانت تؤكد عليه وتنادي به دائما.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية دينا مفتي -في مؤتمر صحفي- إن دول المجلس أكدت دعمها للمفاوضات بين البلدان الثلاثة برعاية الاتحاد الأفريقي، مؤكدا أن قرار مجلس الأمن يعد "انتصارا دبلوماسيا كبيرا للبلاد".
وتجنب غالبية ممثلي الدول الأعضاء توجيه انتقاد مباشر إلى إثيوبيا لبدء الملء الثاني بشكل أحادي، رغم تأكيدهم على أهمية عدم اتخاذ أي دولة إجراءات منفردة، بل إن مندوب روسيا ذهب إلى حد التحذير من اللجوء إلى خيار آخر غير سلمي لحل النزاع.
وهو ما أشار إليه السفير ماجد عبد الفتاح، رئيس بعثة الجامعة العربية في مداخلة تليفونية مع الإعلامي عمرو أديب، الجمعة الماضية، بالقول "إن مجلس الأمن طالب بالتوقف عن الأعمال الأحادية.. الرسالة وُجِّهت للجانبين، لكنها لم ترق لمسألة إدانة الملء الثاني".
إذن هل كانت مصر والسودان مضطرتين للذهاب إلى مجلس الأمن إن كانتا تعلمان بأن النتائج ستكون بهذه المحدودية، أم أنها خطوة دبلوماسية ضرورية في إطار ما يسمى استنفاد جميع الوسائل الممكنة والمتاحة إقليميا ودوليا، ورفع الحرج عنهما فيما بعد ذلك إن قررتا اللجوء إلى خيار الدفاع عن النفس كما يلوح مسؤولون وإعلاميون مقربون من السلطة خصوصا في مصر؟
يقول شكري في المداخلة ذاتها "إن هناك أهمية في طرح الأمر على مجلس الأمن؛ وهي تحميله مسؤوليته فهو المكان الرئيسي في الأمم المتحدة المعني بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والمعني بالدبلوماسية الوقائية ومنع تطور الأمور بشكل سلبي يؤدي إلى إذكاء الصراع".
ما مصير القرار التونسي
وبخصوص مشروع القرار التونسي، الذي ظل محل تساؤل الكثيرين، بعد انتهاء الجلسة الاستثنائية بالمجلس دون التطرق إليه من قريب أو بعيد، قال شكري إن "عناصر القرار التونسي تم تضمينها في كثير مداخلات الدول الأعضاء".
واستدرك "الأمر معقد في المجلس نظرا لأن الأمر تحكمه اعتبارات سياسية ومواءمات، وتشابك مصالح"، مشيرا إلى أنه "يتم التشاور حول القرارات أو المخرج المطروح (القرار التونسي) في جلسات متتابعة في مجلس الأمن، وفق الجهد المبذول من قبل مندوب تونس ليتم إبداء الآراء ويمكن إدخال تعديلات، وهذا يستغرق بعض الوقت"، من دون أن يحدده.
لكن مصدرا إعلاميا مطلعا قال -للجزيرة نت- إن "القرار التونسي معلق"، ورهن حصوله على أكبر عدد ممكن من الأصوات داخل مجلس الأمن لطرحه للتصويت من عدمه.
وأضاف المصدر أن "جهود مصر والسودان ومندوب تونس الدبلوماسية لا تنفك عن محاولة تأمين عدد كاف من الأصوات لصالح مشروع القرار، وربما يتم الاكتفاء بما جاء في جلسة مجلس الأمن الأخيرة".
مندوب #الجامعة_العربية بالأمم المتحدة ماجد عبدالفتاح يشير في تصريح متلفز إلى ارتباط مناقشة أزمة #سد_النهضة في #مجلس_الأمن بالتوازنات والمواقف الخاصة للدول الأعضاء pic.twitter.com/rMuqDwRvOK
وفي سياق تعليقه، قال وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام، إن "مشروع قرار تونس قيد البحث والتشاور للنظر في التصويت عليه من عدمه، أو الخروج بتوصية أو بيان من رئاسة مجلس الأمن بشأن القضية محل النقاش".
وقلل -في حديثه للجزيرة نت- من ادعاء إثيوبيا بأن مجلس الأمن انتصر لها، قائلا "المجلس لم يصدر عنه أي بيان رسمي ولم يصوت على أي قرار بعد، وما جرى كانت مناقشات وكلمات لمندوبي الدول"، لافتا إلى أن "مصر لن تعود لطاولة المفاوضات من دون ضمانات".
ورأى أن مصر والسودان كانتا بحاجة إلى عقد مثل هذه الجلسة لأمرين: أولهما، لإظهار حجم الضرر البالغ من استمرار عملية الملء بشكل أحادي، وثانيهما، رفع الحرج عنهما في حال قررتا انتهاج نهجا آخر غير تفاوضي لضمان حقوقهما المائية.
أما الخبير الدولي في موارد المياه، والعضو السابق بالوفد السوداني في مفاوضات سد النهضة، الدكتور أحمد المفتي، فذهب إلى القول بأن مواقف كل أعضاء مجلس الأمن تؤيد إثيوبيا ما عدا تونس، مضيفا أنه لم تقم أي من هذه الدول بإدانة إثيوبيا، لأنها قامت بالملء الثاني لبحيرة السد رغم أنه سبق لمجلس الأمن أن طالب إثيوبيا، العام الماضي، بعدم الملء الأول بإرادتها المنفردة.
وقال في منشور له على صفحته على موقع فيسبوك "كل الحكومات ملزمة بموجب دساتيرها، بحماية حقوق مواطنيها، وقد أقسم مسؤولوها قسما غليظا، على حماية تلك الدساتير، لذلك تصبح حماية تلك الحقوق التزاما دستوريا تجاه الجماهير وحقا معترفا به دوليا، وليست خيارات سياسية، تطرح في خطب منمقة".
الخطوة القادمة ليست عسكرية
أما عضو اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة الإثيوبي سابقا، الدكتور محمد محيي الدين، فأكد أن "الأمر تم حسمه داخل مجلس الأمن لصالح إثيوبيا، بمطالبة الدول الثلاث بالعودة إلى مظلة الاتحاد الأفريقي".
وأضاف مستشار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بشأن مياه النيل سابقا، للجزيرة نت، "واضح جيدا للعالم من هي الدول التي تدعم مصر، وهي دول محدودة وليست ذات ثقل، على خلاف إثيوبيا التي تحظى بدعم واسع من دول وزنهم النسبي ثقيل".
وذهب إلى القول بأن خطوة مجلس الأمن كانت ضرورية لكنها نتائجها كانت متوقعة ولم تأت بجديد، مشيرا إلى أن مصر تأثرت سلبا بالتباين في تصريحات مسؤوليها وفي مقدمتهم وزير الخارجية الذي تارة يقول إن الملء الثاني لن يضر مصر، وتارة أخرى يقول إنه خطر كبير.
واستبعد محيي الدين أن تكون الخطوة القادمة بعد مجلس الأمن هي اللجوء لعمل عسكري؛ لأن الأمر لم يعد ممكنا واقعيا، خاصة أنه يكاد يكون هناك تهديد روسي واضح وشديد اللهجة ضد هذا السيناريو.