رحل متربصاً للصهاينة الجبناء القسام - خاص : يقضي الشهداء نحبهم ويسلّمون الراية من بعدهم إلى جحافلِ الحق التي تنتظر أن تقضي نحبها أيضاً. عَلِمت هذه الجحافل أن الأرض التي سلبوها لن تسترد إلا بالقوة، فلم يُسلّموا للراحة، بل عملوا بأيديهم على استعادتها، وبذلوا أغلى ما يملكون في سبيل ذلك، ووهبوا أراوحهم رخيصة فداء، وإن سير هؤلاء الرجال كالمسك تفوح وتبقى، ولن يشوبها شيءٌ عبر الزمن. نشأته في الرابع والعشرين من يونيو للعام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين، كانت أرض خانيونس تشهد بزوغ فجر لأحد أشاوسها، الذين رسموا بدمائهم الزكية طريقاً للحرية والاستقلال، إنه الشهيد: محمد سامي عمران، ابن منطقة الشيخ ناصر، وهو الذي تعود أصوله إلى عروس الصحراء في الجنوب: بئر السبع. ترعرع الشهيد محمد رحمه الله بين أكناف أسرةٍ عريقة، ملتزمة دينياً ومعهود لها بالبذل والعطاء، تاريخها زاخر بالجهاد والمجاهدين كما هو حال معظم عائلات فلسطين. وهذا ما ساهم بشكل رئيسي في بناء شخصية محمد، ورسم دروب حياته فقد كان براً بوالديه حنوناً عليهم، تحمل معهما مسؤولية وعبء تربية إخوانه نظراً للظروف الصعبة التي كانت تمر بها عائلتها آنذاك. ورغم ضيق الحال وتكدّره، إلا أن منزله كان مفعماً بالحب والطيبة، منزلٌ بُنيت أركانه على الود والاحترام حتى في أحلك الظروف وأمُرّها، وكان محمد رحمه الله فرداً في هذه العائلة الجميلة المعطاءة، جُبل منها وعلى صفاتها الرائعة. ولقد تميز رحمه الله بين أقرانه بأنه امتلك قدراً عالياً من التفوق والذكاء، وعُرف أيضاً بسرعة بديهته وفطنته، وبأ نه يمتلك الكثير من حسن الأخلاق والشجاعة. ولو أطلعنا على سير الشهداء الأخرين لنجد أنه هكذا هي أخلاق الشهداء وتصرفاتهم، فحق لهم أن يكونوا في الفردوس بإذن ربهم. حياته الدعوية بدأت مسيرته الدعوية منذ نعومة أظافره، إذ أنه تعلق بالمسجد منذ صغره فحافظ على الصلوات الخمس وأدائها في وقتها، وانخرط في أنشطة المسجد وشارك بفعالية فيها، ناهيكَ عن أنه قد كان يحفظ كتاب الله بين أكنافه، فأضحى الطفل الشبل شاباً طيب الخلق والسمعة والأصل. قررت القيادة أن تربح هذا الشاب الملتزم وأن تستوعبه، فكانت بيعته لجماعة الحق والقوة، جماعة الإخوان المسلمين في العام ألفين وثلاثة. وما إن انخرط في سلك الدعوة حتى بدا منه الجانب الفعّال الذي لا تنضب أعماله الطيبة، فلقد مثّل لمن حوله قدوة يُحتذى به ومثالاً من النشاط والعمل والالتزام، إذ أنه قد تولى زمام أمور أسرتين في منطقته، إلى جانب أنه كان مسؤولاً للجنة الثقافية وقتها. حياته العلمية وكما حال أقرانه في المنطقة، درس الشهيد المرحلة الابتدائية في مدرسة ذكور بني سهيلا، ثم أكمل مراحله الإعدادية والثانوية في مدرسة خالد الحسن، وفي كل هذه المراحل كان الشهيد من الطلاب المتميزين فلقد منّ الله عليه بأن كان ذكياً فطناً في أغلب المجالات، حتى في حياته الجامعية: درس في جامعة الأقصى تعليم علوم، فأبدع في تخصصه وأظهر جانبه العلمي النجيب. ويُذكر أن محمد رحمه الله قد كان من نشطاء الكتلة الإسلامية داخل أسوار الجامعة، وفي خارجها ، أي أنه قد كان مبادراً للخير في كل مجالاته، إذ لم يغب أو يتخلّف أو يتعذّر يوماً، كيف ذلك وهو المقدام ذو البصيرة الثاقبة؟ رحلته الجهادية ، كان محمد معطاء لا يعرف التقصير أو الخذلان، لذلك شعر بأنه يجب أن ينتمي إلى جنود الحق في هذا الزمن، الذين يرسمون طريق العز والفخار لأبناء شعبهم ولأرضهم العتيقة. رفع الشهيد محمد عدة كتب لطلب الانضمام لصفوف كتائب القسام، فتم قبوله في العام ألفين وستة، ومنذ انضمامه عرف عنه أنه ملتزم بكل الأنشطة والفعاليات مقبل غير مدبر. وسجله الجهادي قد تسلسل بأنه كان متطوعاً ثم جندياً ومنه أصبح أمير لمجموعة قسامية، وفي كل مواقعه عمل بإخلاص يشهد له أقرانه ومن يعرفه. تم اختياره مندوب الهندسة بالفصيل، إذ أن تخصصه كان الهندسة وقد أظهر فيه قدراته الفذة ومهارته العالية، مجتازاً العديد من الدورات فيها بتميز ملحوظ. وكان نصيبه أيضاً أنه تم تكليفه بالآونة الأخيرة بمهام في مجموعات خاصة تشمل زرع العبوات والبراميل وغيرها من المهام. موعد مع الشهادة في معركة العصف المأكول، كان الشهيد محمد رحمه الله كثير الإلحاح والطلب للخروج والجهاد في الصفوف المتقدمة الأولى فكان له ذلك، ولم يأبه لأي خطر محدق به. لم يكن يرى الخوف أو الوجل على مُحيّاه، بل شجاعة معهودة ورباطة جأش منّ الله عليه بها، كان شهيداً يمشي على الأرض التي يحبها ويفديها بكل ما يملك. ويُذكر أنه في فتراته الأخيرة من حياته، قد ختم القرآن أكثر من مرة وأصبح يذكر الله على الدوام بكثرة. لربما أحس بأن رحيله قد اقترب فطمع بأجر من الله واستزاد قدر ما استطاع من دنياه الفانية وفي الثالث والعشرين من تموز، وفي أوّج الحرب القائمة، وإذ أن النيران لم تخرس ألسنتها وأضحت تتطاير في كل مكان، تم إبلاغ نقطة الرباط التي كان فيها عن قوات خاصة صهيونية قد خرجت من الشريط الحدودي، فتم استنفارهم ليأخذ كل صاحب موقع موقعه، ولكن أعين الغدر والخيانة كانت تتربص بهم شر تربص، فجن جنونها من هؤلاء العمالقة الذين لم تستطع القضاء على أولهم أو أخرهم حتّى. فكان هناك رصد لهم من قبل طائرات الاستطلاع ليتم استهداف المكان بأكثر من صاروخ استطلاع وصاروخ اف 16، رحل الشهيد محمد قاصداً ربه، ببدلة عسكرية تشهد له جهاده في سبيل الله وعظم تضحياته فهنيئا له ما سيحصد من أجر وثواب حينما يقابل ربه يوم الحساب. هنيئا لك يا شهيدنا.. هنيئا يا بن القسام..