أصرّ على الشهادة القسام - خاص : يُولد الشهداءُ ويقضوا نحبهم، وسيرتهم الخالدة تُروى عبر دهور الزمان لتكون نبراساً لكل تائهٍ في درب التحرير، وفي فلسطين تتسابق مواكبَهم نحو الرحمن، فيغدو الطريق معبّد بهم وبدمائِهم الزكية. الشهداء " أمراء الجنة " هم الذين آمنوا بحتمّية العودة والرجوع للأرض المحتلة بإذن الله. نشأته وفي العام ألف وتسعمائة وواحد وتسعون، شاء الله أن تستقبل خانيونس واحدا من هؤلاء، وشاءَ لمنطقة معن أن يحلّ عليها نوراً، لقد كان الشهيد: حمادة عبد الله البشيتي، لاجئ تعود أصوله إلى المدينة المحتلة، عروس الصحراء " بئر السبع ". كان شهيدنا رحمه الله منذ نعومة أظافره رائد من رواد مسجد الدعوة في منطقة معن وأسرته المحافظة والملتزمة دعوياً ما أهلّه لذلك، حَفظ الطريق خطواته البريئة وهو شبلاً صغيراً يجيء ويذهب إليه. كان حمادة رحمه الله، مطيعاً لوالديه براً بهما، محباً ومحترماً لإخوانه وجيرانه، لم يتكبر على أحدٍ قط، فقد عَلِم منذ صغره أخلاق المسلم والتزم بها، بحيثُ أضحى رغم صغر سنه مثالاً وقدوة للإنسان السوي، وغدا الشبلُ رجلاً يُعتمد عليه، رجلٌ في زمن عزّ فيه الرجال. التزامه وحياته الدعوية إن المسجد حاضنة الأجيال الأولى، فلقد تخرّج منها في عهد رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم آلافاً من صحابة كرام رفيعي الشأن والذكر، والمسجد هو المكان الذي يُعتبر المركز الأبرز والأشمل للمسلمين. ومن المسجد أيضاً انطلق الشهيد: حمادة، وبدأ رحلة الالتزام والجهاد، ولأن الجهاد تبدأ مراحله من جهاد النفس عن الهوى، كان الشهيد رحمه الله قد جاهدَ نفسه ، ليغدو مجاهداً بحقّ. فلقد كان ملتزماً في جميع الصلوات مبتعداً عما ينهى الله، محفظاً لحلقة التحفيظ في مسجده، حتى بايع في حقبة زمنية قصيرة، ليضحى بذلك أخاً من جماعة الإخوان المسلمين، وينخرط بالحياة الدعوية وأنشطتها، حيث لم يذكر عن شهيدنا " أبو حمزة " أنه تخلّى عن نشاطٍ ما، بل كان سبّاقاً فيه محتسباً الأجر من الله تعالى، فلقد كان الشهيد: حمادة، ذو همةٍ عالية في ميدان ذلك، مبادراً للمساعدة محباً للخير أينما كان، ويشهد له أقرانه في تلك المرحلة المهمة من حياته ذلك. وعلى صعيد الأنشطة في الميدان، فقد لَعِب شهيدنا رحمه الله دور المراسل للجهاز الجماهيري في المنطقة. حياته العسكرية لم يكتفي الشهيد بهذا بل أصرّ على أن يخرط نفسه في الحياة العسكرية، فلقد ألحّ بشدة على إخوانه للانضمام في صفوف الكتائب، وكان له ما أراد في العام ألفين واثنا عشر، ليصبح أبو حمزة الرجل الثقافي الدعوي العسكري، ويبدأ مسار جديد في حياته. عَمِل أبو حمزة في تدريب الخيالة، ولقد كان صارماً في عمله متقناً له، ولكن ذلك لم يؤثر على علاقته بإخوانه التي اتسمت بالمودة والحب والتفاهم المتبادل. موعده مع الشهادة في العام ألفين وأربعة عشر، دّقت الحرب طبولها وأعلنت قوات الاحتلال الصهيوني تمرّدها على المدنيين في قطاع غزة، لتضحى سماء القطاع منيرة بالقنابل الفسفورية في مشهد ظالم لا يمكن وصفه إلا بالهمجية! وفي أوّج المعركة يرتفع عدد الشهداء ويتوقع الغزّي بأنه التالي، فكيف لك أن تتخيل حياة العساكر من هؤلاء!؟ كان الشهيد حمادة رحمه الله، يرابط بالصفوف المتقدمة، مقداماً كعادته، وفي يوم جمعة الثامن عشر من تموز ، توجه شهيدنا مع مسؤوله إلى مكان شرق مستشفى الأوروبي، دخلوه وبعدما تمكنوا من الوصول إليه نصبوا كمينهم، وقبيل خروجهم تم تحذيرهم ولكنهم أصرّوا على أن يتموا مهمتهم على أكمل وجهٍ محتسبين أجرهم من الله تعالى، ولحظة خروجهم تم ضرب البيت بطائرات حربية أدت إلى استشهادهم على الفور. ليترّجل رجلين من رجال القسام إلى العلا، نحو خالقهم وبارئهم ببدلةٍ عسكرية شهدتَ لهم جهادهم في سبيله. رحل الشهيد حمادة وذكراه في قلوبنا لم ولن ترحل! فنم قرير العين أبا حمزة أيها الفارس المترّجل، فرجال القسام خلفك مازالوا على الدرب سائرون حتى تحقيق وعد الله في الأرض وطرد الغزاة المعتدين،