المتلهف للقاء ربه والجنة على الأرض التي باركها الله وما حولها، يتسابق المجاهدين في ميادين القتال، تراهم فتعجب لحالهم! هم الرجال الذين منذ كانوا صغار، جُبلوا على حب الأرض التي سلبها محتلٍ دخيل، علّمهم الأهل أن لا خيرَ في كل متقاعس عن القتال في سبيل الوطن، وأن العزة تكمن في الدفاع عن الأرض والعرض وإن طالت المعركة. نشأته ومن رجال الله في أرضه، كان الشهيد: أيمن أكرم الغلبان، التي شهدت أرض خانيونس ميلاده في العام ألفٍ وتسعمائة وواحد وتسعين، وقد كانت ولادته أسهل من وضعته أمه، لعل الله كان يرد أن يكون رحيماً به ولأمه حينها، فهو الذي سيبذل في سيبل الله الكثير. طفولته والتزامه كان الشهيد قد ترعرع طفلاً بين أكناف أسرة ملتزمة دينياً، تدفع أبنائها للجهاد دفعاً وقد أدركت أنه الطريق الأوحد للتحرر وطرد الغزاة المعتدين. وكان مسجد التوحيد هو الحاضنة الأولى للشهيد أيمن رحمه الله، فلقد التزم بأداء الصلوات الخمس فيه خاصةً الفجر منها وهذا ما ميزه عن بقية أقرانه، ومنتمياً إلى مركز تحفيظ القران فيه ليضحى بهذا من رواد المسجد رغم صغر سنه وقتها. علاقاته الاجتماعية امتازت أخلاق الشهيد بأنها كانت عالية قويمة، وما يدّلل على ذلك علاقته مع والديه فهو بفطرته الملتزمة حَرِصَ على أن يكون براً بهما، شديدُ الحرص على إرضائهما، يقوم بطلبات البيت بلا تأفف أو كلل يبديه، ولقد تميزت علاقته بوالدته بالقرب الشديد حيث أنها تذكر أنه كان يخبرها بحبه الشديد للجهاد والشهادة، وأنه سوف يتزوج من الحور العين. ولكونه الأخ الصغير، فقد كان يطيع ويسمع لهم، ويحثهم على الالتزام بالمسجد والمحافظة على الصلوات الخمس، وأما بالنسبة لإخوانه الصغار فقد كان يتابعهم وكأنه راشد كبير مسؤولاً عنهم. ويُذكر أنه كان محبوباً بين جيرانه وأقاربه، خدوماً لهم في كل ظروفهم، حتى أن بعضهم أطلق عليه لقب "الشجاع". حياته الدعوية كَبُر الشبل أيمن، ليضحى مثالاً للشاب الملتزم المطيع الذي يعمل في الخفاء أكثر. التحق في اللجان المختلفة، منها الاجتماعية والرياضية وكانت بصماته واضحة في ذلك، فلقد دأب يعمل بجدٍ واجتهاد يشهد له أقرانه. ثم شاءت الأقدار إلى أن تتبدّل مكان حاضنته الأولى، فانتقل من مسجد التوحيد إلى مسجد طيبة الذي هو أقرب لبيته. ولسلوكه الحسن المشهود له، اختير ليكون اميراً للجنة العمل الجماهيري في شعبة التوحيد، حيث كانت مهمته متابعة مساجد الشعبة الأربعة وتفوق في ذلك ببراعة. وبالتخصيص على حياته الدعوية فنرى أنه انضم للأسر التنشيطية ثم تدرج ذلك ليُعطى البيعة لجماعة الإخوان المسلمين ويصبح عضواً في حركة حماس، وقد كان كل ذلك في العام ألفين وإحدى عشر، وشَهِد له سجله الدعوي بأنه لم يدّخر جهداً في خدمة دعوته ليلاً ونهاراً، معطاءً لا تفتر عزيمته في لحظةٍ، حتى أنه تم تكريمه من قبل الشعبة لدوره المميّز في عمله. حياته العلمية تلقى الشهيد أيمن تعليمه في مدرسة عمار بن ياسر، وذلك المرحلتين الابتدائية والثانوية وقد عُرِف بدعابته بين أقرانه والتفافه حوله نظراً لحسن سمعته وبشاشة وجهه. وفي سلك نشاطه الميداني، التحق بالكتلة الاسلامية ومارس معها اساليب الدعوة الفردية، وحثّ اقرانه للالتحاق بحلقات القرآن والمشاركة في الفعاليات المختلفة، واستجاب له حشد كبير، ملتفين حوله ومتخذينه قدوة طيبة لهم. وعن دراسته الجامعية، التحق الشهيد أيمن بجامعة الاقصى ودرس فيها بقسم إدارة الأعمال. ولقد كان مثابرا في سبيل العلم كثيراً، إذ انه مرّ بظروف صعبة مادية أجبرته على ترك الجامعة قليلاً حتى يتسنى له جمع رسومه الدراسية ثم العودة بهمة أكبر نحو العلم والبذل وكان له ما أراد. حياته الجهادية انضم الشهيد لكتائب القسام، في العام 2012، بعد إلحاحه الشديد على قيادته، ولكونه أيمن النشيط في عمله والمخلص المتقن، تم قبوله. وبقي الشهيد أيمن شعلة من حماس ونشاط حتى استشهاده وكل من يعرفه يشهد له بذلك. في بداية مسيرته عمل الشهيد أيمن متطوعاً في حفر الأنفاق، والتحق بدورات تنشيطية ليتفوق بها، وهذا ما أهلّه لاعتماده وتجنيده رسمياً في صفوف الكتائب. حيث أنه قد تناوب على مناصب عدة، قد أهلّته خبرته ومهارته الفائقة لتولّيها، منها أنه أصبح مسؤول شفت وكان حريصاً على انجاز مهامه الموكلة إليه بمهارة فائقة. اجتاز الشهيد أيمن عدة دورات غيرَ دوراته التنشيطية، منها دورة إعداد مقاتل، ودروع أولى وثانية وثالثة ودورة مغلقة التحق على إثرها في صفوف النخبة القسامية، التي اخُتير أبنائها على مستوى لواء خانيونس للقيام بمهام خاصة. وفي كل حياته الجهادية كان أيمن كعادته مقداماً، من أوائل المتواجدين في كل ميدان لم يتعذر أو يتأخر يوماً كما يشهد أقرانه وتلاميذه الذي كان مدرباً لهم. موعده مع الشهادة في العام ألفين وأربعة عشر دّقت طبول الحرب، وجُن جنون الاحتلال الصهيوني وفقدت قيادته وحكومته السيطرة على الوضع الذي قام، فلقد أرعبت الكتائب المظفرة خمسة مليون صهيوني وقلبت الموازين لصالحها، فأصبحت المعركة خارج سيطرته. وكان رجال القسام مرابطون على الثغور وفي الخطوط المتقدمة جداً ليحموا الدار وأهل الدار. استشهد صديقه أحمد الغلبان على الحدود الشرقية، في مكان قريب من مكان رباط الشهيد أيمن، وقد كانوا أصدقاء وحينما أحس بالقصف اتصل على رفاقه ليسأل عن الذي حدث وإن كان من شهداء، فأجابوه بالنفي! حينها قال: لا تخافوا، لن أحزن بل أسأل لكي أنتقم للشهداء حتى يكرمنا الله ايضاً. ولقد كانت هناك إيحاءات للشهيد رحمه الله كإشراقة وجهه وطلته البهية، إذ يذكر مسؤوله بالقول بأنه كان قد مر من أمام مجلسه أيمن فرأى في وجهه علامات للشهيد الذي ينتظر ليقضي نحبه. وحينما كانت المعركة في أوجّها في أخر شهر رمضان المبارك، وفي الثامن عشر من تموز تم استدعاء الشهيد وبعض من إخوانه في بداية الحرب الجوية. فتوجهوا إلى الحدود الشرقية في الفخاري، منتظرين أن يكرمهم الله بدحر العدو والتصدي له. وبعد خمسة أيام تم استهداف العقدة الدفاعية التي كان فيها، فاستشهد معه الشهيد أشرف وافي رحمهم الله. يقضي الشهيد أيمن نحبه وترتجل روحه للسماء، أبية شجاعة قد زخر سجلها الجهادي بالعطاء والبذل في سبيل الله والوطن ورسم حدود العودة القريبة ان شاء الله. فنم قرير العين يا شهيدنا، فرجال القسام على دربك مازالوا سائرين حتى التحرير.