15 يونيو 2021
اكتشفت دراسة أجريت عام 2019 أنه لو كان الجيش الأميركي دولة، لاحتل المركز الـ47 في قائمة أكبر دول العالم إطلاقاً للغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ورغم أن جامعتي لانكستر ودرم البريطانيتين لم تأخذا في الاعتبار خلال الدراسة سوى الانبعاثات الناتجة عن استخدام الوقود، فقد أشارت الدراسة إلى الأثر الهائل للقوات المسلحة في مختلف أنحاء العالم على مناخ كوكب الأرض.
وفي مواجهة معركة مع ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، قرر حلف شمال الأطلسي (ناتو) للمرة الأولى أن يجعل من هذه القضية محوراً رئيساً في التخطيط والاستراتيجية.
ومن المنتظر أن يتفق قادة التحالف العسكري الغربي في قمتهم على خطة عمل بخصوص المناخ، بما يحقق لقواتهم المسلحة الحياد الكربوني بحلول عام 2050 والتكيف مع التهديدات التي يفرزها الاحتباس الحراري.
ويقول دبلوماسيون في حلف الأطلسي إن الجهود الرامية للتركيز على التغير المناخي واجهت عراقيل خلال رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة. فقد دأب على وصف التغير المناخي بأنه «أكذوبة» وسحب بلاده من اتفاقية باريس الدولية لمحاربة التغير المناخي.
كما أبدى ترامب عدم الثقة بحلف شمال الأطلسي نفسه، وهدد في 2018 بانسحاب الولايات المتحدة من هذا التحالف الذي تشكل عام 1949 لاحتواء التهديد العسكري السوفييتي.
والآن وفي ضوء إيلاء الرئيس الأميركي جو بايدن الأولوية لتحرك على صعيد المناخ، قال دبلوماسيون إن الحلف قادر على معالجة المخاوف من خطر التغير المناخي على الأمن عبر الأطلسي وعلى أفراد التحالف.
أسباب التلوث
تدرك القوات المسلحة للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، أن التغير المناخي سيكون له تداعيات أمنية كبيرة من المتوقع أن تشمل زيادة الهجرة وإغراق القواعد الساحلية التابعة للحلف وتزايد الوجود الروسي في الدائرة القطبية الشمالية مع ذوبان الثلوج البحرية.
إلا أنه لتقليل الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري جراء استخدام الوقود الأحفوري، تحتاج الدول الأعضاء لإجراء إصلاحات في قلب التحالف لأن الحلف يحدد معايير الوقود في مختلف قطاعاته.
وبالالتزام بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، فإن خطة العمل بالحلف ستضعه على الطريق لتحقيق هدف اتفاقية باريس بالحد من ارتفاع درجة الحرارة عالمياً بواقع 1.5 درجة مئوية.
وتحقيق ذلك الهدف سيعني تقليل الانبعاثات الغازية العسكرية، المستثناة في كثير من الأحيان من مستهدفات الدول في ما يتعلق بالانبعاثات الكربونية، وهو إنجاز ليس بالهين لوزارة الدفاع الأميركية أكبر مستهلك منفرد في العالم للبترول، وفقاً لبحث أعدته نيتا كروفورد بجامعة بوسطن عام 2019.
ورغم أن الخبراء يقولون إن دول الاتحاد الأوروبي تميل للتهوين من انبعاثات جيوشها الوطنية، فقد قدرت دراسة أجريت في فبراير بطلب من البرلمان الأوروبي أن البصمة الكربونية للإنفاق العسكري في الاتحاد الأوروبي خلال 2019 بلغت 24.8 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل الانبعاثات الناتجة عن نحو 14 مليون سيارة.
وقال خبير دفاعي ألماني، طلب عدم نشر اسمه، إن دبابة قتالية رئيسة مثل الدبابة ليوبارد الألمانية تستهلك 400 لتر من وقود الديزل في الميدان لقطع مسافة 100 كيلومتر فقط.
وبلغ متوسط استهلاك الوقود في الولايات المتحدة لسيارة مدنية للاستعمالات العادية 9.4 لترات لكل 100 كيلومتر في 2018 وفقاً لدراسة أجرتها وكالة الطاقة الدولية في 2020.
كذلك فمن المحتمل أيضاً أن تكون حرب الدبابات أصعب في ظل الاحتباس الحراري. وقال مصدر عسكري إن درجات الحرارة ارتفعت في الدبابات الألمانية أوزيلوت خلال مناورة أجراها حلف شمال الأطلسي في بولندا عام 2019 عن 40 درجة مئوية، ولم يستطع الجنود أن يقضوا سوى بضع ساعات داخلها.
ويعمل بعض أعضاء الحلف لتقليل استهلاك الكهرباء أو دمج نماذج التوقع المناخي في المهام العسكرية. ولدى ألمانيا أول ثكنة تتمتع بالحياد الكربوني إذ تنتج الطاقة بالكامل تقريباً من وحدات تستخدم حرارة باطن الأرض أو من ألواح شمسية. ويمكن للجيش الهولندي استخدام ألواح شمسية بدلاً من مولدات الديزل خلال العمليات.
مضاعف الأزمات
وصف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، التغير المناخي بأنه «مضاعف للأزمات».
وتتوقع الجيوش أيضاً المزيد من العمليات في مناطق عرضة لتقلبات مناخية، في ظل استدعاء قوات لمعالجة كوارث طبيعية ناتجة عن المناخ. وإدارة مثل هذه الأزمات من المهام الرئيسة لدى الحلف بفضل قدرته على توفير الإمدادات الغذائية، والدعم اللوجيستي والطبي بسرعة.
وفي 2018 كانت ثماني دول من الدول العشر التي استضافت أكبر عدد من الأفراد المشاركين في عمليات متعددة الأطراف لحفظ السلام في مناطق معرضة بشدة لتقلبات التغير المناخي، وذلك وفق دراسة أعدها معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وقالت مصادر دفاعية أوروبية لـ«رويترز» إن أعضاء الحلف يختبرون أيضاً معدات أكثر للعمل في ظروف البرد القارس. وتُعد متانة العتاد في ساحة المعركة من الأولويات.
وقال دبلوماسيون إن مبعوث الأمم المتحدة السابق ستولتنبرغ، المختص بالتغير المناخي، بدأ يطالب باتفاق مناخي على مستوى حلف الأطلسي، بعد أن حل بايدن محل ترامب. ويتعين على أعضاء الحلف أن يقرروا حجم الاستثمارات المرتبطة بالمناخ لتمويلها جماعياً في الحلف.
ولأن تطوير العتاد العسكري يستغرق عقوداً، كما أن أعماره أطول من الأعمار الافتراضية للسيارات المدنية، يقول خبراء إن واحداً من أكبر مساهمات حلف شمال الأطلسي في الأجل المتوسط، سيكمن في زيادة استخدام الوقود التركيبي بدلاً من الوقود الأحفوري.
وربما يبدأ الجيش الألماني في إضافة الوقود التركيبي إلى الوقود التقليدي خلال بضع سنوات.
غير أن الدبابات الكهربائية ليست خياراً مطروحاً. فقد قال مصدر دفاعي ألماني، طلب عدم نشر اسمه «سيكون من الصعب إنشاء محطات شحن في ساحة المعركة في وقت مناسب قبل بدء القتال».
خسائر فادحة
طبقاً لدراسة جديدة تصدرها وكالة البيئة الأوروبية كل أربع سنوات عن انعكاسات الظواهر المناخية القصوى على الأوضاع البيئية والاجتماعية والاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي، توجد استنتاجات تدعو فعلاً للقلق بسبب الأضرار الناتجة عن هذه الانعكاسات، وعدم وجود استراتيجيات وخطط محكمة للحد منها والتكيف مع التغيرات المناخية.
ومن الظواهر القصوى التي يتوقع واضعو الدراسة استفحالها في السنوات المقبلة، تزايد فترات الجفاف في جنوب القارة الأوروبية وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير معهودة. ومن شأن ذلك التسبب في مزيد من الوفيات المُبكرة، علماً أن هذه الوفيات -حسب الدراسة الجديدة- طالت عشرات الآلاف منذ عام 2000. والحصيلة مهيأة للارتفاع في حال عدم إقدام الدول الأوروبية المتوسطية بشكل خاص على إعادة النظر الشاملة في أنظمة التهوية والتكييف، لاسيما في منازل المسنين وفي المستشفيات.
من هذه الظواهر أيضاً ارتفاع نسبة الزوابع والأعاصير خصوصاً في بلدان أوروبا المطلة على المحيط الأطلسي. وسيؤدي ذلك إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمناطق الساحلية وموانئها ومطاراتها وطرقاتها مما يسهم في رفع تكلفة الخسائر الاقتصادية الناتجة عن ذلك. وقد بلغت قيمة هذه الخسائر حسب الدراسة 400 مليار يورو خلال الفترة الممتدة من عام 1990 إلى عام 2019.
• دبابة قتالية رئيسة مثل الدبابة ليوبارد الألمانية تستهلك 400 لتر من وقود الديزل في الميدان لقطع مسافة 100 كيلومتر فقط.
• تدرك القوات المسلحة للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، أن التغير المناخي سيكون له تداعيات أمنية كبيرة من المتوقع أن تشمل زيادة الهجرة.