عادت مصر بعد عام حكمت فيه جماعة الإخوان، وقد أتت بوجوه لم نعهدها، وجوه غيرت فى انتمائها وأولوياتها، فقررت أن تحيى تنظيمًا وتميت شعبًا بجذوره الضاربة فى التاريخ. تلك الجماعة التى تعاملت مع الوطن كغنيمة وكخطوة من أجل تحقيق أهداف تتجاوز فكرة الوطن إلى أوهام خلافة لا تناسب العصر، ولا تناسب مصر التى رغبوا فى أن تكون مجرد ولاية مثلها مثل أفغانستان وغيرها.
نفض المصريون غبار نظام الإخوان، الذى تعامل بقدر من اللامبالاة والاستهانة بكل من عداهم، ذلك الإحساس المتضخم بالقوة والجبروت والرغبة فى الانتقام هو كتاب سلوك الجماعة الحاكمة الذى يتبعونه فى ممارسة الحكم فينا.
هى سنة واحدة.. نعم، ولكنها كانت أكثر وأكبر مما تعدون، إذ حاولت الجماعة التى صارت من التاريخ الآن القيام بعملية تجريف حقيقية ومؤثرة فى ملامح الشخصية المصرية، وبدأوا يفرضون واقعًا جديدًا ذا ملامح مختلفة تشوه من تشاء وما تشاء.. «وما أدراك بالستينيات» كشاهدة كبرى على ما كانت تحمله الجماعة لمصر وقلبها!!.
مشهد الاحتفال بأكتوبر أيضًا كان الملمح المهم والأبرز فى تغيير الهوية، بعد أن امتلأت الصالة المغطاة بشخصيات لا تعرف قيمة الأرض التى بذل فيها المصريون الغالى والنفيس فى حرب 73. تبدلت الوجوه فى الإعلام، وفى الساحة، لكن الشارع ظل نابضًا بحب الحياة وحب الوطن.
لن ننسى فى كل عام استدعاء مشهد 30 يونيو 2013 بكل تفاصيله؛ العائلات التى خرجت إلى الشوارع، العجائز والصغار، المثقفين وكل أبناء البلد، النخب وحزب ما كانوا يسمونه بـ«الكنبة»، الجميع خرج ليوجه نداء أو استدعاء للقوات المسلحة، التى كان على رأسها الفريق عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع آنذاك. لن ننسى وقوف المؤسسة إلى جوار الناس. وقتها لم أكن أشك لحظة فى موقف الجيش، ثقتى كانت كبيرة فى قائده الفريق السيسى، الأسئلة حوله كانت كثيرة وقتها، ردى عليها دائمًا لكل من سألنى أن الرجل ينتمى فقط إلى هذا البلد وإلى مؤسسته الوطنية.
لم يراودنى الشك حتى عندما بدا الوضع والعلاقة مع مؤسسة الرئاسة السابقة مثيرا للتساؤل، حتى عندما كانت الإجابة صعبة عن السؤال: ماذا لو تعارضت إرادة من يشغل منصب القائد الأعلى مع إرادة القائد العام وزير الدفاع؟.. ما لمسته من وقت مبكر هو ذلك الانتماء الحقيقى والراسخ للوطن وجيش الوطن. لذلك فإن ما ذكره السيسى فى بيانه من أنهم لبوا نداء الملايين من المصريين هو التعبير الصحيح والسليم.
اتخذ السيسى القرار الصعب. لم يعبأ بحديث الأمريكان عن قطع المعونة، أو كلام الأوروبيين عن ديمقراطية تطبق فى بلاد ذات ظروف خاصة. لم يهتم بتهديدات أعضاء الجماعة ببث سموم إرهابها فى كافة ربوع الدولة، لم يهتم سوى بمصر والمصريين.
خرجت مصر بعد 30 يونيو وقد حاولت استعادة بريقها الذى حاول الإخوان دفنه فى رمالهم، خرجت وقد حاولت- ومازالت تحاول- استعادة المجد التليد، خرجت إلى معركة بناء ما تهدّم بفعل الإخوان.. تلك المعركة التى سيكون المشهد الملهم فيها هو مشهد 30 يونيو، بكل تأكيد.
menawy@gmail.com