صرخاته هزت ضمير العالم
2021-06-29 00:21:00
غزة- الحياة الجديدة- هاني أبو رزق- "امانة يما ما تسبنيش يما شوفوا ياعالم" لم تكن هذه الكلمات من وداع ابن لأمه في رحلة سفر، أو حتى كلاما من أحد الأفلام التلفزيونية أو مجرد كلمات عادية قالها أحدهم ، ولا دعاء ابن لأمه بأن تكون بخير وهي على سرير المرض، بل كانت صرخات نداء استغاثة لشاب في مقتبل العمر احتجز تحت ركام منزله المدمر في شارع الوحدة الذي دمره الاحتلال خلال العدوان الاخير على غزة.
كانت تلك الكلمات هي صرخات محمد القمع ورجاءه لأمه بأن تظل بجانبه من تحت ركام منزله الذي دمر الاحتلال الاسرائيلي خلال العدوان الأخير كانت بداية الحكاية، إلى حين الساعة الثانية عشرة والنصف من مساء يوم السادس عشر من مايو/ أيار كانت عائلة القمع داخل منزلها في الطابق الرابع بعمارة ابو العوف بشارع الوحدة بمدينة غزة تتابع الاخبار عبر الهواتف المحمولة .
انتهت بثينة القمع وهي والدة محمد من إعداد مشروب الشاي داخل المطبخ وتوجهت إلى غرفتها حيث يوجد زوجها حازم، في الغرفة الأخرى كان محمد يتواصل مع أصدقائه عبر الهاتف يتحدثون فيما بينهم عن الأحداث الجارية من حولهم .
لوهلة حملت بثينة وزوجها كأس الشاي، وسمعت صوت قصف عنيف، التقطت الهاتف وهرعت مسرعة إلى غرفة أبنائها الاثنين محمد وخالد من أجل الإطمئنان عليهما، وصلت إلى باب الغرفة، وضعت يدها على الباب، لكنّ الصواريخ سبقتها إلى ذلك ، سقط المنزل على رؤوس ساكنيه وأصبح ذلك الباب الذي انقسم إلى نصفين يفصل بين محمد وأمه، هذه المرة تحت الأنقاض.
كان محمد رغم سقوطه من الطابق الرابع، متشبثا بهاتفه المحمول، مرت الدقائق وأصبح الركام يحيط بمحمد ووالدته التي كان يفصل بينهما أقل من نصف متر، سجل محمد وهو تحت الركام مقطع فيديو وهو يصرخ "أمانة يما ما تسبنيش يما " نظرا لإصابتها في تلك اللحظة فيما كان شهيق وزفير والدته يسمعه وحده.
انتهى محمد من تسجيل ذلك المقطع ورفع قبل ذلك كلمة المرور الخاصة بهاتفه، في حالة لم يتمكن من النجاة، أن يظل ذلك المقطع شاهدا على أبشع الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق ألفلسطينيين اتصال من أحد اقاربه على هاتفه المحمول كان الفيصل ليكون سببا في نجاته، أخبره أنه ما زال حيا تحت الركام، سريعا قام بتحديد مكان تواجده وأخبر رجال الإنقاذ بذلك.
مر الوقت سريعا فقدت والدته الوعي، اقترب إليها أكثر بعد أن أزاح أكوام الحجارة والباب الذي يفصل بينهما، قام بإجراء تنفس اصطناعي لها، عله يبقيها في وعيها، لكنها ظلت غائبة عن الوعي، فيما ظل هو يترقب وصول رجال الإنقاذ إليه حينها شعر بالاختناق وصعوبة في التنفس، كان بالكاد يفتح عينا واحدة فيما كانت الأخرى يغطيها الركام، فتح فمه ليسهل عليه التنفس لكنّ أي حركة غير محسوبة قد يسقط عليه شيء من الحجارة فيما كانت الرمال تغطي نصف رأسه،ومع مرور الوقت الكثير بدأ الركام بالانهيار شيئا فشيئا.
في الساعة الثالثة نجح رجال الإنقاذ بحفر حفرة صغيرة تؤدي إليه، بالفعل نجحوا في ذلك ، عاد الأمل إلى محمد بأن يخرج حيا بفضل تلك الحفرة، بعد أن فقده نتيجة صعوبة عمليات الانقاذ في ظل انقطاع التيار الكهربائي وعدم وجود معدات حديثة ، بعد نصف ساعة تمكنوا من اخراجه ثم شقيقه الأصغر خالد الذي كان يشاركه في نفس الغرفة فيما تم انتشال والدته التي كان يفصل بينهما نصف متر واحد ثم أخرجوا والده شهيدا .
ورغم مرور أيامٍ على العدوان الإسرائيلي على غزة إلا أن محمدا أصر على أن يقدم امتحانات الثانوية العامة ، يقول طالب الثانوية العامة والذي يدرس بالمعهد الأزهري بعد عودته من درس خصوصي :" رغم كل الذي حصل معنا داخل المنزل واللحظات المرعبة التي قضيتها تحت الركام لساعات واستشهاد والدي إلا أني أصررت على أن أكمل اختبارات الثانوية العامة، كل شيء ذهب تحت المنزل كتبي الدراسية، حقيبتي، ذكرياتي ، ابتسامة أمي ، اهتمام وحنان أبي، رغم كل شيء أريد أن أحصل على معدل مرتفع وأحقق رغبة والدي بذلك ويضيف محمد للحياة الجديدة:" خلال تقديمي الإمتخانات أتذكر والدي وأشعر بالحزن على فقدانه، أتمنى أن أتفوق في هذه المرحلة والإنتقال إلى المرحلة الجامعية وتحقيق حلم والديّ بأن أكون بالجامعة وأدرس تخصص الهندسة “.
ويتابع قائلا :” فقدت داخل منزلي جميع كتبي ومستلزماتي الدراسية، لجأت بعدها إلى شراء كتب أخرى حتى أتمكن من المذاكرة ، خلال أحد الامتحانات تذكرت والدي وبكيت فسألني المراقب عن السبب اجبته انه بسبب صعوبة الامتحان وهو في الحقيقة أني تذكرت والدي رحمه الله “. هل تعلم أوراق الامتحانات أن محمد طالب استثنائي وأن الكتب الدراسية له ظلت تحت الركام و أن الدموع التي تساقطت على تلك الأوراق هي دموعه بسبب استشهاد والده، هل تعلم انه قضى تحت الركام ساعات وساعات يصارع الموت ألف مرة ، يبقى السؤال هل سيتفوق محمد ويحقق حلم والده الشهيد رغم كل ما واجهه من صعاب؟