تقارير و تحليلات
الاحد 18 يوليو 2021
"الاقتصادية" من الرياض
بدأت الخزانة السعودية في جني ثمار اختيار الفائدة المتغيرة كمرجع تسعيري لسنداتها المحلية المقومة بالريال وسط انخفاضات قياسية لآجال السايبور على مدار الـ30 شهرا الماضية.
وأظهر رصد لوحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، أن بعض الفوائد المدفوعة، عن السندات السبعية، تبتعد 0.69 في المائة عن الفائدة الصفرية.
وتحتضن السوق المحلية 12 من السندات الحكومية المدرجة "ذات الفائدة المتغيرة"، مع العلم أن الدفعات الدورية موزعة على أربع مرات في العام.
وبحسب الرصد، فإن سايبور الثلاثة أشهر، الذي تم اعتماده كمرجع تسعيري للسندات الحكومية، قد انخفض بأكثر من 54 في المائة خلال خمسة أعوام من تاريخ إصدار بعض أدوات الدين، الذي تولى دفة إصدارها في ذلك الوقت البنك المركزي السعودي خلال 2015 و2016.
ويسهم كل انخفاض بالسايبور "لأجل 3 أشهر"- يقاس عبر حركة نقاط الأساس- في تحقيق وفرة بتكلفة التمويل عندما يحين موعد تسديد الدفعات الدورية للمستثمرين.
وأسهمت الهندسة المالية لبعض سندات الحكومة السعودية في جعل جهة الإصدار تمنح المستثمرين فوائد بعد خصم عشر نقاط أساس من العائد القائم لسايبور ثلاثة أشهر. فإذا كان السايبور عند 79 نقطة أساس على سبيل المثال، فإنه يتم خصم عشر نقاط أساس، ويتم منح المستثمرين 69 نقطة أساس (تعادل 0.69 في المائة) كتوزيعات.
وفي الإطار ذاته، أظهرت نتائج الرصد للتداولات الحالية لسندات السعودية المقومة بعملة اليورو أن أحدهما يتداول عند الفائدة الصفرية، والآخر يبتعد عنها 35 نقطة أساس، حيث يتم النظر إلى ما يعرف بـ"العائد حتى الاستحقاق" من أجل معرفة العائد للسندات المسعرة، وفقا للفائدة الثابتة، التي يتباين عائدها، وفقا لتداولاتها في السوق الثانوية.
كما أن السندات الدولارية الخمسية، التي يحين أجل استحقاقها بعد ثلاثة أشهر من الآن تتداول بفارق 0.38 في المائة عن الفائدة الصفرية، بل إنها أصبحت أول الإصدارات الدولارية، التي تم تداولها دون الفائدة الصفرية خلال النصف الأول في نيسان (أبريل)- 0.01 في المائة- من هذا العام.
الهوامش الائتمانية
تأتي الهوامش الائتمانية الضيقة لسندات السعودية (بمختلف العملات) كانعكاس لنظرة المستثمرين لهذا النوع من الأصول، الذي يعد من أفضل الملذات الآمنة في الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من تفاوت المصادر، التي تحدد العدد الفعلي للدول المنضوية تحت اسم الأسواق الناشئة أو الصاعدة، فإن هناك إجماعا على أن تعداد تلك الدول يراوح بين 38 و45 دولة، ضمنها دول الخليج وروسيا والصين وكوريا والهند.
وكانت مصادر حكومية مطلعة وقريبة من ملف الاستدانة قد أكدت لـ"الاقتصادية" في 9 آذار (مارس) 2021، أن السعودية ستستمر في منهجيتها الخاصة بالبحث عن عمليات التمويل الانتهازية، من أجل اغتنام الفرص، التي توفرها السوق بين الفينة والأخرى، لتوسيع قاعدة المستثمرين، وذلك بعد الأخذ في الحسبان هيكل المخاطر، وتطابق تلك الفرص مع استراتيجية الدين العام.
وتتلخص أولوية السعودية مع الإصدارات الدولية في ثلاثة أمور، هي عامل تكلفة التمويل، والتوزيع الجيوغرافي، والتوزيع في نوعية المستثمرين.
وأصبحت السعودية في الربع الأول من 2021 سادس دولة في مجموعة العشرين، التي تمكنت من الاستدانة بالفائدة السالبة، لتنضم بذلك إلى دول أوروبية وآسيوية نجحت في تحقيق ما أنجزته السعودية مع إصدارها المقوم باليورو.
انضمت المملكة إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا والصين وكوريا اللاتي نجحن من تحقيق الهدف ذاته، أي أن المستثمرين يدفعون لهم من أجل أن يستدينوا بعملة اليورو.
ولدى السعودية إصدار دولاري بقيمة 5.5 مليار دولار، يحين أجل استحقاقه في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وفقا لمنصة "سي بوندز" للبيانات المالية، ويعد هذا الإصدار متميزا، لأنه كان من ضمن باكورة إصدارات السعودية من السندات الدولية في 2016، التي لاقت ترحيبا حارا من المستثمرين الأجانب.
واستند رصد وحدة التقارير الاقتصادية، الخاصة بمواعيد آجال الاستحقاق، إلى البيانات التي حصلت عليها من منصة "فاكتست" للخدمات المالية.
يذكر أن "فاكتست" واحدة من أشهر منصات التحليلات المالية، التي يستعين بها المجتمع الاستثماري العالمي من أجل تقييم الأوراق المالية وبناء القرار الاستثماري. أما بخصوص بيانات العائد الخاص بالفائدة المتغيرة لسندات الحكومة السعودية المقومة بالريال فقد تم الاعتماد على البيانات المتوافرة عن هذه الإصدارات المتوافرة بموقع تداول.
تباين العائد للإصدارات المحلية
تتميز الإصدارات الحكومية بكونها مرت بفترتين من حيث العائد، وذلك خلال ستة أعوام. الأولى كانت إبان تولي البنك المركزي السعودي "ساما" إصدارات السندات الحكومية بين الفترة من 2015 و2016، التي تميزت بدنو نسبة العائد على الإصدارات. فبخلاف السندات التي كانت بالفائدة المتغيرة- التي تتبع حركة السايبور- كان يتم طرح سندات بالفائدة الثابتة، كإصدار شهري جديد دون إعادة فتح إصدارات قديمة.
وبلغ العائد "بالفائدة الثابتة" على سندات أيلول (سبتمبر) 2016 بين 1.81 و2.50 في المائة للشرائح بين خمسة إلى عشرة أعوام.
الفائدة "المتغيرة"
أظهر رصد لـ"الاقتصادية"، نشرته في 13 حزيران (يونيو) 2021، استمرارية السعودية في السير نحو استراتيجيتها الهادفة لتقليل نسبة انكشافها على الفائدة "المتغيرة"، التي تتبع مؤشرا تسعيريا استرشاديا، وذلك من 27 في المائة من إجمالي محفظة الاستدانة في 2018 إلى 18 في المائة بنهاية 2020.
ويأتي التقنين التدريجي المستمر على أساس سنوي بفعل منهجية "المركز الوطني لإدارة الدين" الرامية لتخفيف مخاطر العائد المتغير على محفظة الاستدانة العامة، علما أن نسبة الديون ذات العائد المتغير بلغت 22 في المائة بنهاية 2019.
وأظهرت وثيقة خطة الاقتراض السنوية، التي اطلعت عليها "الاقتصادية"، أن استحقاق جميع ديون العوائد المتغيرة سيكون بحلول 2027.
وبذلك تتمكن الرياض من احتواء تحديات الانكشاف على تقلبات أسعار الفائدة لمحفظة الدين القائم من خلال خفض نسبة أدوات الدين ذات العائد المتغير floating rate في محفظة الاستدانة العامة.
ومعظم العقود المالية المسعرة بالفائدة المتغيرة ترتكز على حركة الفائدة المعروضة بين البنوك السعودية (السايبور)، وكذلك سعر الفائدة المعروض بين البنوك في لندن (الليبور)، الذي يعد نظير "السايبور" للفائدة المقومة بعملة الدولار، حيث لا يمكن التنبؤ بمستقبل حركة الفائدة المتغيرة من حيث الارتفاع أو الانخفاض.
أما بخصوص الفائدة الثابتة، فأظهر رصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية" ارتفاع نسبة نمو الفائدة الثابتة من إجمالي محفظة الدين، وذلك من 73 في المائة بنهاية 2018 إلى 82 في المائة بنهاية 2020 بعدما كانت 78 في المائة في 2019.
ويعني تسعير أدوات الدين بفائدة ثابتة أن المستثمر يعرف حجم الفوائد، التي سيتسلمها خلال فترة معينة، وتميل الجهات المصدرة نحو الفائدة الثابتة من أجل إغلاق lock in نسبة العائد الثابت خلال الأوقات، التي تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة.
أما أدوات الدين المسعرة بفائدة متحركة أو متغيرة، فإنه يعاد تسعيرها كل ثلاثة أو ستة أشهر بحسب بمؤشر القياس المستخدم.
والسعودية لديها سندات محلية بالفائدة المتغيرة وقروض بالفائدة المتغيرة، وتم التوقف عن إصدار أدوات، الدين السيادية بالفائدة المتغيرة في 2016 وتلك السندات المحلية مدرجة في السوق المحلية لدى تداول.
أفضل الممارسات
ينتظر أن يقود التوجه الحكومي لتقنين الاستعانة بالفائدة المتغيرة الشركات السعودية من أجل تتبع أفضل الممارسات الخاصة بإصدارات الدين، وذلك نظرا لأن الفائدة المتغيرة تغلب على إصدارات تلك الشركات مع أطروحاتها الخاصة.
ويرى خبراء بنك أوف أمريكا أنه "على الشركات أن تكون نسبة ديونها المسعرة بفائدة ثابتة ما بين 50 إلى 80 في المائة".
لكن أحد أهم العوامل، التي تسهل عملية التسعير هذه هي وجود مؤشر قياس Benchmark يسترشد به، وهذا ما أصبح متوافرا حاليا في السوق السعودية.
وهذا المؤشر كان مفقودا في أسواق الدين السعودية لأعوام طويلة قبل أن يعاود الظهور مع إصدارات "ساما" من السندات في 2015.
تغيرات جوهرية
كانت "الاقتصادية" قد أشارت في رصد لها نشرته في 14 آذار (مارس) 2021 إلى حدوث تغيرات جوهرية في منحنى العائد السيادي للحكومة السعودية المتمثل في عملات الإصدار، التي تكون بالفائدة الثابتة، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على خزانة الدولة واستدانة الشركات المحلية، التي تعتمد على منحنى العائد في تسعير أدوات الدين الخاصة بها.
وكشف الرصد، الذي استند إلى بيانات الدخل الثابت الخاصة بمنصة "آي إتش إس ماركت" للخدمات المالية، أن الفائدة الصفرية كانت تبتعد، في ذلك الوقت، بمقدار 0.63 في المائة عن أجل استحقاق عام واحد، وذلك بحسب حركة منحنى العائد السيادي المقوم بالدولار.
وأشارت حينها أن التغير الأكبر قد ظهر لأول مرة في تاريخ الحكومة السعودية مع منحنى العائد لإصدارات اليورو، الذي بدأ التداول بالفائدة السالبة لثلاثة آجال استحقاق دفعة واحدة.
ومن المعلوم أن السعودية قد طرحت هذا العام ثاني إصدار لها بعملة اليورو (البالغ قيمته 1.5 مليار يورو) وتضمن الطرح شريحة ثلاثة أعوام مسعرة بالفائدة السالبة، حيث دفع الشق الأقصر لآجال الاستحقاق بمنحنى العائد الخاص باليورو للتداول عند الفائدة السالبة في ذلك الوقت.
وتعني التغيرات في الهوامش الائتمانية أن السعودية تستطيع الاستدانة بالفائدة السالبة مع آجال استحقاق جديدة كعامين أو عام أو ستة أشهر، وذلك إضافة إلى الأعوام الثلاثة.
منحنى العائد
يعرف منحنى العائد بأنه خط يحدد الفائدة على أدوات الدين في وقت بعينه تمتلك فيه جهة الإصدار جدارة ائتمانية متوازنة، لكنها متباينة من حيث الاستحقاق، حيث يكون هناك على سبيل المثال فارق فائدة بين الصكوك والسندات لأجل خمسة أعوام ولأجل 30 عاما.
ويتخذ منحنى العائد عادة اتجاها صعوديا، وهو المنحنى الطبيعي، ولكن عندما ينقلب بأن يكون العائد على السندات الأقصر أجلا أعلى من العائد على نظيراتها الأطول أجلا.
وتحظى السعودية بمنحنى عائد طبيعي، سواء مع إصداراتها المقومة بالعملة المحلية أو الصعبة. ونجحت السعودية منذ 2019 في تمديد آجال استحقاقات الصكوك في السوق المحلية عبر إصدارات جديدة تشمل 12 و15 و30 عاما، وذلك لاستكمال منحنى العائد خالي المخاطر، ما يسهم في دعم مختلف الأسواق شاملة أسواق الدين العقارية.
والأمر نفسه كررته في 2020 عندما شهد إصدارها الدولاري استحقاقات أجل سبعة أعوام و12 عاما ولأول مرة شريحة 35 عاما، التي أتت جميعها خلال فترات استحقاق متباعدة، مساهمة في الوقت نفسه في إطالة أجل تلك الاستحقاقات، وفقا لسياسة إدارة الدين العام للدولة.
ويستعين العاملون في أسواق الدخل الثابت بمقياس "العائد حتى تاريخ الاستحقاق"، وذلك من أجل حساب العائد المستقبلي لأداة الدين، وذلك في حال الاحتفاظ بها إلى أن يحين أجل إطفائها. ويحدد هذا المقياس مدى جدوى الاستثمار من عدمه. ويكثر استخدام هذا المؤشر، بين المستثمرين، من أجل إجراء مقارنات بين العوائد السنوية لأدوات الدين، وذلك بغض النظر عن آجال استحقاقاتها.
إعادة تسعير منحنى العائد
من المتعارف عليه في أسواق الدخل الثابت أن تكلفة التمويل تزداد مع طول أجل الاستحقاق- تترجم عبر إضافة نقاط أساس أكثر- وتنخفض هذه التكلفة مع الآجال القصيرة.
وأسهمت استراتيجية التسعير الحكومية مع الإصدارات الدولية في تحقيق عدة أهداف، أولها تحقيق التسعير العادل والمستحق للدولة، التي مكنتها جدارتها الائتمانية من تحقيق خامس أعلى تصنيف ائتماني من الدرجة الاستثمارية، من وكالة "موديز".
وثانيها وأهمها أن تلك "الصدمة التسعيرية" الجريئة مع تسعير السندات المقومة باليورو، التي تمت هذا العام، من شأنها إحداث "آثار متتابعة" على كل آجال الاستحقاق الأخرى، التي تنضوي تحت منحنى العائد، التي تم "إعادة تسعيرها" بشكل تلقائي، من خلال تفاعل شريحتي الإصدار الحديثة، أثناء التداولات الثانوية لإصدارات السندات الصادرة عن حكومة السعودية، التي بلغ تعدادها أربعة إصدارات باليورو قائمة بعدما كانت في وقت سابق اثنين. ويتمحور الهدف الثالث من تلك الاستراتيجية في تجنيب خزانة الدولة دفع فوائد إضافية على مدفوعات الأرباح السنوية لمستثمري أدوات الدين، الأمر الذي يخفض تكلفة التمويل بشكل جوهري وإيجابي على الخزانة.
إضافة إلى ذلك أن الإصدارات المستقبلية للمملكة ستكون بتكلفة متدنية بسبب استرشاد المستثمرين بالتسعيرات الأخيرة للإصدارات السابقة.
ويدور الهدف الخامس في تمكين الشركات الحكومية أو تلك العاملة في القطاع الخاص بالاستدانة بتكلفة أقل عن ذي قبل مع طروحاتهم المقومة بالعملة الأوروبية، وذلك بعد التراجع الحالي للهوامش الائتمانية على آجال الاستحقاق القصيرة للإصدارات الحكومية.
وحدة التقارير الاقتصادية