أخبار اقتصادية- عالمية
الجمعة 2 يوليو 2021
ماجد الجميل من جنيف
الارتفاع الأخير في التضخم ظاهرة "مؤقتة"، حسب تأكيد رئيس بنك التسويات الدولية، الذي وضع عدة رؤى لتقييم التحديات التي تواجه البنوك المركزية للخروج من الأزمة الصحية العالمية وضمان النمو المستدام لاقتصادات لم تخرج من مرحلة الخطر بعد، وانتعاش لا يزال متفاوتا جدا وغير مكتمل.
وأوضح أكوستين كارستينز المدير العام خلال كلمة ألقاها في الاجتماع العام السنوي للمؤسسة التي تعد البنك المركزي للبنوك المركزية في العالم، "حتى الآن، نحن في بنك التسويات الدولية نعد التضخم العالمي مؤقتا على الأرجح".
وفي كلمته على شريط فيديو تلقته "الاقتصادية" من البنك، قال محافظ البنك المركزي المكسيكي السابق ورئيس اللجنة الاستشارية في صندوق النقد الدولي، إن تسارع التضخم مرتبط بآثار دقيقة، متقطعة، قصيرة الأجل، غير قابلة لإنتاج نفسها في أماكن متعددة كثيرة، وأن زيادة أسعار السلع الغذائية والتوتر في العرض يتوقع أن يتبدد بسرعة إلى حد ما".
وفي أيار (مايو) الماضي، قفزت أسعار الاستهلاك 5 في المائة في الولايات المتحدة، وهي أكبر زيادة لها منذ ما يقرب من 13 عاما، و2 في المائة في منطقة اليورو، وهو الحد الأعلى للهدف الذي حدده البنك المركزي الأوروبي، ما أثار مخاوف بين المستثمرين.
وإذا كان بنك التسويات الدولية يعدها ظاهرة لمرة واحدة غير قابلة للتكرار، فإن المؤسسة التي يوجد مقرها في بازل، سويسرا، قد نظرت مع ذلك في رؤيتين أخريين بهدف تقييم "التحديات الكبيرة" التي ستواجهها البنوك المركزية مع خروج العالم من جائحة كوفيد "باندكست" Pandexit، حسب تعبير كارستينز. (دمج المقطع الأول من كلمة "الجائحة" pandemic مع "الخروج" exit على غرار انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" Brexit).
وفي حين أن الرؤية الأولى الأساسية تعتمد على فكرة أن يظل الانتعاش غير مكتمل وبعض المناطق تتعافى بشكل أسرع من غيرها - أطلق عليها اسم "الانتعاش السلس نسبيا"-، فإن الرؤية الثانية تتصور "تسارعا ملحوظا أكثر من المتوقع في الانتعاش الاقتصادي"، في ظل تأثير خطط التحفيز والانتعاش القوي في الاستهلاك المدعوم بالمدخرات المتراكمة من قبل الأسر. مقدمة الرؤية الثانية هذه تؤدي إلى "لازمة طبيعية للضغط على الأسعار مما يحفظها ويمنع تضخمها".
ويقول، كارستينز، عندها ستخاطر البنوك المركزية باضطرارها إلى تشديد سياساتها النقدية في وقت أبكر مما كان متوقعا، ويجب عليها بعد ذلك الانخراط في تمرين دقيق في التواصل مع الأسواق، حيث تراكمت اختلالات كبيرة مع انخفاض أسعار الفائدة، خاصة في سوق الأسهم والعقارات".
وعلى العكس من ذلك، تصور بنك التسويات الدولية أيضا رؤية أخرى لـ"باندكست" تبطئ فيه التطعيمات، ويتفشى الفيروس مرة أخرى، وتجري عمليات إغلاق على غرار الموجة الأولى، ويتوقف النمو وتحدث خسائر في ائتمان الشركات، وترتفع الديون العامة والخاصة إلى حد كبير، ويتوقف التعافي الذي لوحظ في عديد من الدول خلال الأشهر الماضية.
ويقول، كارستينز، "مع هذه الرؤية ستحتاج السياسة النقدية إلى المضي قدما بمرونة والتواصل بعناية، وهي تجبر البنوك المركزية على الحفاظ على سياساتها النقدية التيسيرية لفترة أطول، لكن ينبغي أن تصبح أكثر استهدافا" في مواجهة عديد من أوجه عدم اليقين على المدى القريب، بما في ذلك خطر ارتفاع التضخم أو تفاقم الوباء مرة أخرى مع خطر استمرار تضخم هذه الاختلالات، خاصة في قطاع العقارات".
وفي تأكيده على الحفاظ على السياسات النقدية التيسيرية، أكد أن هذه تشمل السير على مسار مستدام للسياسات المالية والنقدية وتجنب التوترات بين الاثنين. وأفضل طريقة للتغلب على هذه التحديات هي من خلال نمو مستدام أعلى، الأمر الذي يتطلب سياسات إصلاح هيكلي قوية ومستمرة، مدعومة بإجراءات مالية صديقة للنمو.
والسياسة النقدية التيسيرية أو المتساهلة أو التكييفية، هي مجموعة من التدابير يتخذها البنك المركزي تتضمن زيادة المعروض النقدي والحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة من أجل دعم الاقتصاد. من خلال تعزيز الائتمان وتقديم تمويل منخفض التكلفة للشركات والأفراد، يأمل البنك المركزي في زيادة الاستهلاك. ويمكن لمثل هذه السياسة أن تذهب إلى أبعد من ذلك، ولا سيما من خلال شراء البنك المركزي للسندات في السوق. عموما هي عكس السياسة النقدية المقيدة.
قال كارستينز، "بفضل تدخلات البنوك المركزية الهائلة، مقترنة مع الخطط الحكومية الشاملة لدعم الاقتصاد، تكيف المستهلكون والشركات بسرعة مفاجئة مع القيود، وأدى دوران الطلب من الخدمات إلى السلع إلى الحد من انخفاض النشاط، وانتعش الاستهلاك بقوة في النصف الثاني من 2020 مع رفع القيود، وعادت التجارة الدولية بسرعة إلى مستويات ما قبل الجائحة.
وهكذا ظلت الظروف المالية متيسرة بشكل استثنائي، وعزز الدعم المالي والنقدي دخول الأسر، وأبقى الشركات واقفة على قدميها، وهكذا "تم تفادي كارثة اقتصادية وانتعش الاقتصاد العالمي بشكل أسرع مما كان متوقعا ليثبت النظام المالي قوته".
وأضاف، "لكننا لم نخرج من مرحلة الخطر بعد"، حيث لم تنته جائحة كوفيد - 19، والتوقعات العالمية غير مؤكدة. مشددا على أن الانتعاش عبر الدول لا يزال "متفاوتا جدا وغير مكتمل للغاية".
وأضاف، "سيكون التحدي الكبير للبنوك المركزية على المدى الطويل هو استعادة هامش فسحتها في المناورة مع التطورات الاقتصادية غير المؤكدة حتى الآن كي تتمكن من مساعدة الاقتصاد مرة أخرى في حالة حدوث ركود أو أي حدث آخر غير متوقع في فترة "باندكست".
وأكد أنه بعد الانكماش الحاد يترسخ الانتعاش مع انحسار الوباء، لكن البنوك المركزية ستظل تواجه عديدا من التحديات قصيرة وطويلة الأجل في المستقبل، وأن النمو المتوازن يحتاج إلى إجراءات مالية وإصلاحات هيكلية وحلول تقنية مبتكرة، والتعاون العالمي في هذه الميادين أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.
إنشرها