منذ 6 ساعات
حجم الخط
بغداد-»القدس العربي»: أثار إعلان حكومة بغداد عن طرح الأراضي المحيطة بمطار بغداد للاستثمار، ردود أفعال ورفضا شعبيا وسياسيا واسعا، وسط اتهامات بكون المشروع صفقة فساد وهدر لثروات الدولة، وقضاء على أرض زراعية خصبة واسعة، إضافة إلى تسببه بتهجير مئات الآلاف من سكان مناطق حزام بغداد.
وإذا كان العراقيون يتفقون على أن أي مشروع في العراق في هذه المرحلة هو بالتأكيد غطاء للفساد ونهب المال العام من قبل حيتان الفساد التابعة للأحزاب المتنفذة والفصائل المسلحة، فإن مشروع استثمار الأراضي المحيطة بمطار بغداد، له بعد إضافي خطير وغير خافي على المطلعين، يتمثل في محاولة تنفيذ صفحة جديدة من التغيير الديموغرافي من خلال تهجير مئات الآلاف من سكان مناطق حزام بغداد والاستيلاء على أراضيهم الزراعية المثمرة الواسعة.
مشروع الاستثمار
واعتبرت قوى سياسية بارزة وسكان المنطقة قرار الاستثمار، بانه صفحة جديدة في مخطط التغيير الديموغرافي لتهجير بعض سكان حزام بغداد من المكون السني، حيث أصدر»تحالف القرار العراقي» بيانا قال فيه «أن هذا القرار يتجاوز على حقوق عشرات الآلاف من المواطنين، ويحول جنس الأراضي الخصبة من زراعية إلى استثمارية دون وجه حق ودون اعتبار لحقوق الملكية لمواطنين لديهم سندات رسمية في التملك منذ عشرات السنين» مبينا أن «الاستثمار ينبغي أن يستفيد من الأراضي الواسعة التي تمتلكها الدولة خارج المدن عبر الاستصلاح أو بناء المجمعات السكنية أو الترفيهية أو التجارية، بدل الاعتداء على أرض خصبة تعود لأصحابها». وحذر التحالف من أن «هذا القرار يثير الكثير من الشكوك والتساؤلات عن أهدافه ومدى ارتباطه بالرغبة في إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة كما يؤكد سكانها وعشائرها العربية» داعيًا «رئيس مجلس الوزراء إلى إلغاء هذا القرار».
وفيما انتقد «تحالف القرار» بزعامة أسامة النجيفي، تحويل الأراضي المحيطة بمطار بغداد الدولي إلى الاستثمار، مبينًا أن بعض المواطنين يتملكون هذه الأرض منذ العهد العثماني، فإن «تحالف عزم» أكد ان «إخلاء المناطق المحيطة بمطار بغداد هو تغيير ديموغرافي، وان إنشاء مدينة فيها يحمل أبعادا طائفية» داعيا البرلمان والقضاء للطعن بهذا القرار.
وفي سياق رفض سكان المناطق المحيطة بمطار بغداد أكد النائب السابق وأحد سكان المنطقة اياد الجبوري في لقاء تلفزيوني، أن «وفدا من أهالي المنطقة سيزورون المراجع الشيعية علي السيستاني ومقتدى الصدر لطرح قضية استثمار أراضي مطار بغداد، لأن سياسيينا السنة لم ينصفونا ولم يدافعوا عن حقوقنا» مطالبا رئيس الوزراء بالتدخل لإنصاف أهالي المنطقة كما طالب مجلس القضاء الأعلى بالتدخل. وحذر الجبوري «إذا لم يتدخلوا فسنخرج في تظاهرات حاشدة لرفض القرار. لأننا لن نترك أراضينا، رغم أننا قد نتعرض للتصفية من مافيات الفساد بسبب رفضنا للمشروع» كاشفا ان «استثمار محيط مطار بغداد مشروع فساد يقوده موظفون في مكتب رئيس الوزراء» ومتسائلا «من خول مجلس الوزراء الاستيلاء على أراضي تعود 75 في المئة منها لمواطنين ملك صرف دون أخذ رأيهم، واعطاءها لشركات فاسدة؟».
والموقف نفسه كرره العديد من النواب السنة منهم وحدة الجميلي ومحمد اقبال الصيدلي ومحمد الكربولي واحمد المساري وغيرهم، كما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بردود أفعال غاضبة لبيع ممتلكات الدولة والمواطنين إلى مافيات الفساد وشركات أجنبية مقابل الرشى.
وكانت رئيسة الهيئة الوطنية للاستثمار سها داود نجار، أعلنت عن حصول موافقة مجلس الوزراء في 15 حزيران/يونيو الماضي على تخصيص مساحه 106 ألف دونم ضمن المنطقة المحيطة بمطار بغداد الدولي إلى الهيئة الوطنية للاستثمار للإشراف على إنشاء مشروع مدينه الرفيل، لتكون عاصمة ادارية، وإنشاء مجمعات (سكنية، تعليمية، تجارية، طبية، خدمية، وترفيهية) إضافة إلى استثمار المنطقة في مشاريع صناعية وزراعية. وأقرت نجار، في لقاء تلفزيوني، أن «قانون الاستثمار فيه خلل ويعطي الأراضي بأسعار زهيدة» مشيرة إلى أن «هناك عروضاً من شركات عالمية لتنفيذ مشروع الرفيل».
ويذكر ان هذا المشروع ليس جديدا حيث سبق ان تم طرحه عام 2019 وقوبل بموجة رفض واسع أيضا، مما دفع لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، إلى إصدار قرار نيابي في تموز/يوليو 2019 طالب الحكومة بايقاف منح رخص استثمارية للأراضي الواقعة ضمن محيط مطار بغداد الدولي لحين التحقق من اللجنة النيابية المختصة، معتبرة أن «استمرار العمل به يعني ضياع أصول الدولة بمبالغ زهيدة وهدر للمال العام يقدر بعشرات المليارات من الدولارات».
والحقيقة ان مخاوف المكون السني من هذا المشروع، لم تأت من فراغ بل استندت إلى مواقف وتصريحات العديد من الأحزاب والفصائل الشيعية التي دعت مرارا إلى التعامل مع سكان المناطق السنية المحيطة ببغداد بحجة كونهم حاضنة للإرهاب، تهدد أمن العاصمة، داعين علنا إلى تهجير سكانها واحلال أبناء المكون الشيعي بدلا عنهم.
ورغم انكار بعض الجهات كون المشروع تغييرا ديموغرافيا، إلا ان بعض الكتاب والقادة الشيعة، دعوا إلى ذلك مرارا. وفي نموذج لتلك الدعوات ما جاء في مقال الكاتب الشيعي احمد عبد السادة، الذي ذكر فيه «اليوم أجدد هذه الدعوة بشأن قضاء الطارمية لتحويله إلى منطقة منزوعة السكان بعد أن تحول إلى حاضنة مزمنة للإرهـاب تهدد بغداد، وبعد أن وصلت القوات الأمنية إلى شبه يأس من إيجاد حل لمعضلة الإرهاب فيه». وأوضح ان «هناك مناطق جغرافية خطرة، مثل الطارمية وجرف الصخر، لا بد أن تكون مناطق منزوعة السكان!! وذلك لأن كل التجارب أثبتت بأن الإرهـاب تفشى فيها بسبب وجود حاضنة اجتماعية له فيها» حسب ادعاءه.
مخطط التغيير الديموغرافي
ويعلم العراقيون ان مخطط التغيير الديموغرافي وتفريغ مناطق من طائفة معينة تنفذه قوى وفصائل ولائية ضمن أجندات محلية وإقليمية، وهو مشروع طائفي بدأ مبكرا منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وشمل مناطق متفرقة من البلد.
ففي بغداد أكد النائب السابق مشعان الجبوري، أن دعوة بعض الطائفيين لجعل الطارمية منطقة خالية من السكان مثل أختها منطقة جرف الصخر، تعتبر جريمة بموجب المادة (7/ د) من نظام روما الأساسي الذي يعتبر أن «إبعاد السكان أو النقل القسري لهم» من الجرائم ضد الإنسانية التي تخضع لولاية المحكمة، داعيا مجلس القضاء أن يقوم بفتح قضية ضد أصحاب هذه الدعوات. فيما قررت السلطات العراقية بداية عام 2021 مصادرة (15000) دونم من الأراضي الزراعية التي تسكنها أسر فلاحية في منطقة اللطيفية جنوب بغداد، حيث سيتم تجريفها بعد أن صادرتها وزارة الدفاع لإقامة مشاريع سكنية لمنتسبيها فيها. وشجبت هيئة علماء المسلمين في العراق ذلك الاستيلاء ووصفته بانه «جريمة تطهير عرقي تدخل في نطاق الجرائم ضد الإنسانية».
وكانت ناحية جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل جنوبي بغداد قد تحولت منذ عام 2014 إلى معسكر للميليشيات التي سيطرت عليها بعد انتهاء المعارك مع تنظيم الدولة «داعش» هناك، وهي ميليشيات «كتائب حزب الله والنجباء وسيد الشهداء» وتم منع 140 ألفاً من سكانها المدنيين الذين فروا من جحيم المعارك من العودة إليها، وأصدر حينها مجلس محافظة بابل قراراً تبناه أعضاء يمثلون إئتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي «بمقاضاة أي جهة سياسية أو فرد يطالب بعودة المهجرين إلى جرف الصخر». وفي عام 2017 قال نائب رئيس الجمهورية في حينها أياد علاوي في تصريح «إن هذه المنطقة باتت خارج سيطرة الدولة العراقية وإن الميليشيات التي تديرها تستلهم قوتها من خلال ارتباطها المباشر بالحرس الثوري الإيراني».
أما في محافظة الأنبار، فقد عمدت ميليشيات الحشد لأحكام السيطرة على ناحية النخيب التابعة لمحافظة الأنبار المتاخمة لمحافظة كربلاء والواقعة على الحدود العراقية السعودية، وقامت بتهجير سكانها بحجة تأمين محافظة كربلاء أمنيا.
وفي محافظة ديالى المجاورة لإيران، أشارت رئيسة لجنة المهجرين والمرحلين النيابية لقاء وردي في يوليو/تموز 2013 إلى قيام ميليشيات مسلحة بعمليات تهجير منظمة وممنهجة في بعض مناطق ديالى.
ألا ان أكبر حملات التهجير حصلت بعد حادثة تفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والعسكري في سامراء عام 2006 عندما نفذت ميليشيات معروفة حملة واسعة لتهجير ملايين العراقيين من مناطقهم وسط إتهامات بتورط قوى سياسية وأطراف في القوات الأمنية الرسمية، في تنفيذ مخطط التهجير الطائفي. وقد تكرر سيناريو التهجير في مناطق أخرى مثل أبي غريب والمدائن وخان بني سعد والشعب وجرف الصخر والطارمية وغيرها من مناطق السنة.
وهكذا فإن إعلان مشروع استثمار أراضي مطار بغداد، وتهجير مئات الآلاف من سكانها والاستيلاء على أراضيهم الشاسعة أعاد إلى الواجهة مجددا، حقيقة تدهور الأوضاع في العراق سواء من خلال صفقات الفساد التي تستبيح ممتلكات الدولة وثرواتها، أو عبر تمرير صفحة جديدة في مخطط التهجير القسري لتنفيذ التغيير الديموغرافي. وهو يعكس حقيقة انه لا يمكن الفصل بين الفساد وعمليات التهجير وطبيعة الصراع السياسي في العراق بعد عام 2003 بغياب توافقات الحد الأدنى بين القوى السياسية التي تتيح إنتاج نظام سياسي يراعي مصالح جميع المكونات، وبالتالي بقاء عوامل عدم الاستقرار والضعف في الدولة والمجتمع.
التعليقات