فارس امتطى صهوة جواده
القسام - خاص :
لله در الرجال الذي يخرجون مدافعين عن حمى الإسلام والمسلمين ، ويتمرسون على ثغور المسلمين غير مبالين بالاعتقال أو بالإبعاد أو حتى بالقتل الذي هو حلم الجميع ، فيضحون بأوقاتهم وشبابهم في سبيل الله، فثبتوا حتى لقوا الله شهداء مقبلين غير مدبرين ، بعدما أعادوا إلى أذهاننا بطولات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مغامرات الطفولة
تسعة عشر ربيعًا توجت "سُليمان أبو طير" على بوابة "الشَهادة" أسدًا هصورًا يجابه في ساحات الوغى جنود جيشٍ قيل إنه لا يُقهر، ماضيًا في درب المقاومة نحو تحرير اخر ذرة تراب من أرضه فلسطين وهو يقول: "لم أدخل في صفوف القسام إلا لأُقتل في سبيل الله"، أسرّت الشهادة فؤاده ومواطن قلبه، هو ابن "عبسان الكبيرة" شرق محافظة خانيونس وابن "مسجد خليل الرحمن" الذي تتصدع أركانه وتحنَ إلى صوتهِ وصلواته قاضيًا فيه جُلّ أوقاته فهو بيته الثاني.
لم يكن الصغير "سُليمان" طفلًا هادئًا فقد اتسم بحبه للاكتشاف والفضول مُبكرًا، تقول والداته: "كان يحب اللعب بالأدوات الكهربائية في صغره ويحاول اكتشاف أسرارها بعيداً عن لعبه ومشاركته الأطفال في حيه ومنطقته (حي آل أبو طير)، وقد درس الابتدائية في مدرسة عبسان وشارك أطفال حارته طريق الذهاب والعودة مع ما فيها من مغامرات مفعمة باللعب واللهو، إضافة للخبرات التي اكتسبها على مر السنوات والأحوال".
ارتبطت حياة الشهيد "سليمان" المُكني بـ "أبي خالد" في المسجد منذ صغره حتى غدا يراه بيته الآخر، يقول والده: "ارتبط سليمان بمسجد خليل الرحمن القريب من بيتنا ولم يكن حديث العهد بذلك الارتباط القوي بل كان منذ نعومة أظافره وما زلت أذكر كيف أنني كنت أوقظه لأداء صلاة الفجر ليلًا، كما جاء التزامه الخلوق هذا بفعل التزامنا أنا واخوانه الأكبر فكان يرى أمامه كيانًا تربويًا يحتذى به".
"بارًا بوالديه" كانت هذه من أجمل الصفات التي نعتها به والدته قائلة: "كان يعمل على رضانا دومًا ويكدّ في جمع المال فإذا ما طلبنا منه يُسرع الإجابة، خُلقه القرآن يُعامل أهل البيت بالمودة والاحترام وقد كان ملازمًا لجدة والده فكان بمثابة الابن لها، فينام حيث تنام ويجهز لها الطعام ويؤانسها في تناوله وهي لم تتوانى عن الاعتماد عليه في جميع أمور حياتها، وقد فقدنا غاليًا بفقدانه وما زال البيت متصدعًا برحيله".
نخوة الصِبا
عُرِف الشهيد أبو طير بالمُلبي لأي سائل فهو تام ودائم الجهوزية لمساعدة أي جارٍ أو قريب في شتى الأمور والأحيان، ولم ير فيه أهالي الحي إلا الشاب النخوة صاحب الخلق الرفيع الحسن، وكان يعمل في الزراعة ليساعد أهله، فهو نِعم الفلاح الذي لا يعرف الكسل والخمول، من بزوغ الشمس في الحقل، ومع غيابها في سراديب المُقاومة يكدّ لدينه لا دنياه.
كانت وراء انتمائه لحركة المُقاومة الإسلامية "حماس" رغبة حقيقة وجامحة في الانخراط في صفوف ذراعها العسكري "كتائب الشهيد عز الدين القسام" وقد كان ذلك السبب الأول والأخير في انتمائه للحركة إلا أنه عمل فترة قصيرة في جهاز العمل الجماهيري قبل أن يلتحق بصفوف الكتائب، وجاء انضمامه قبيل استشهاده بعشرة أشهرٍ فقط، ويُذكر أن بدايته كانت سرية ومتميزة بنشاطه الجمّ ولم يكن يُظهِر أنه قسامي وفي ذات الوقت كان المُجاهد الملتزم الذي لا يتوانى لحظة في القيام بما يناط به من تكليف.
مُقاوم فذَ
في عمله الجهادي كان "سُليمان" من أكثر الشباب نشاطاً، يذهب مُبكرًا يتفقد أصدقاءه حامًلا إليهم ما تيسر من الطعام والشراب والحلوى اكرامًا لهم وحفاظًا منه على صحتهم في بردِ الليل، وامتاز بالتزامه في دورات " الدروع" التزامًا حديديا وكان حريصا على تنمية وتطوير مهارته في ذلك التخصص، وما أن تم انتقاله إلى تخصص المُشاة حتى سارع إلى الاهتمام مباشرة في تخصصه الجديد إلى أن حصل على تقدير امتياز.
وقد شارك "أبو طير" في ليالي الرباط على الثغور وحفر بعض الوصلات الأرضية بشجاعةٍ وعطاء تامين، كما شارك أيضًا في جولات الرصد الميدانية للخط الزائل، وعمل على زراعة بعض البراميل المتفجرة والعبوات المُسبقة الزراعة وفي آخر رباطٍ له أعدَ كمين مُحكم عبر نفق أرضي وكان في أقرب النقاط تماسًا مع العدو فلم يكن بينه وبين الخط الزائل مسافة 500 متر تجاوزها ببراعة كاملة وعمل متفان.
على موعد
في الثالث والعشرين من شهر يوليو لمعركة العصف المأكول على قطاع غزة 2014م، اشتبك "سُليمان" بصحبةِ اخوانه الشهداء (رأفت أبو رجيلة وعصام أبو صلاح) مع قوةٍ صهيونية خاصة في شرق منطقة خزاعة أرادت التسلل راجلة إلى مكان كمينهم، وبعد أن أفرغوا مخازنهم وعدتهم وعتادهم من الأسلحة وقاموا بتفجير عبواتهم المضادة للأفراد وقنابلهم اليدوية، كما حاولوا خطف أحد الجنود _باعتراف العدو_، قام جيش الاحتلال بقصف المكان بطائرات اف 16 فارتقت روحه تعانق السماء شهيدًا بإذن الله.