ودّع الدنيا بابتسامة ونطق بالشهادة
القسام - خاص :
ملامح ابتسامة هادئة ترتسم على وجه "الشهيد" قبيل وداعه الأخير، وشفاه تنطق بكلمات "الشهادة" يُزف بها إلى عليين، تتسم قسماته بالوقار كأنه عاش عمرًا طويلًا ينتظر نومته الأخيرة، الشهيد "محمد أبو دراز" (أبا أنس) _31 عامًا_، يرتحل بقامته الشامخة ليأنسُ بلقاءِ الرحمن بعدما أدرج بدماؤه؛ راويًا فيها ظمأ "خزاعة" شرق محافظة خان يونس التي استشهد على أرضها مفتديًا تُربها، ورافعًا راية العز ليحرز بها نصرًا مؤزرا يعيد قوات الاحتلال أدراجها خائبة خاسئة.
نشأة فارس
في تموز كان له موعد مع الميلاد وموعد مع الشهادة ففي الرابع من تموز للعام 1984م وُلِد في شهرِ رمضان المُبارك الذي احتفى بشهادته أيضًا، جميًلا هادئًا كان "الشهيد" في طفولته، لقول والدته: "عندما كان محمد طفلًا كان هادئ وتصرفاته تدل على أنه أكبر من عمره وكان محبوبا للجميع ولا يصاحب إلا مَنْ هم أكبر منه سنًا فلا يجالس إلا الكبار".
"همه الشاغل هو إرضاء والديه" بهذا تميزت علاقة "محمد أبو دراز" مع والديه فقد كان دائم البحث عن راحتهما في الأعمال الشاقة ويُصر على طاعتهم والبر بهما، أما معاملته لإخوانه فقد اتسمت بشعوره المتواصل بالمسئولية تجاههم ولم يبخل يومًا عليهم بالنصح والمشورة المتواصلة في شئون حياتهم لسداد رأيه، ولم يكن أكثر منه حُنوًا على أبناءه يُحب اللعب معهم ويمضي وقته ليعلمهم بسلوكه وأخلاق الدين الإسلامي على الرغم من صِغر سنهم.
دراسته
تميز في صغره بالتفوق والنبوغ وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة "الحافظ الابتدائية" بمدينة الرياض في المملكة العربية السعودية، ويذكر والده حادثه خروجه من المدرسة والعودة إلى فلسطين، قائلًا: "عندما ذهبت لمدرسته الابتدائية لمغادرة المدرسة حيث كنا نرغب في العودة إلى فلسطين تمسك به مدرسيه ورفض مدير المدرسة إخراجه خوفًا من نقله لمدرسة أخرى لكنني أخبرته بأننا سنرجع إلى وطننا لنعمل على استعادته من أيدي المغتصبين فوافق وقام بشكرنا داعيًا لنا بالتوفيق".
أجمل ما تحلى به الشهيد "محمد أبو دراز" خلال مراحله الدراسية المختلفة صفتا الصدق والأمانة، فقد كان يحث زملائه وأصدقائه باستمرار على الالتزام بالحضور في المسجد والمشاركة في فعالياته كما كان يسعى دائمًا بتذكيرهم بمواقيت الصلاة وتحديدًا صلاة الفجر، واتسمت حياته الجامعية بالجِد والمثابرة إضافة إلى أنها كانت مرحلة شاقة في حياته فقد كان يدرس ويعمل وكان نشيطًا دعويًا يحث الشباب على التمسك بالدين الإسلامي.
حي لم يموت
عمل الشهيد في جهاز الأمن الوطني في الحكومة الفلسطينية بجانب عمله في كتائب القسام وكان يوازي بين العملين فكان جهد في عمله مع الكتائب لا يقل أبدًا عن الجهد القائم في عمله بالأمن الوطني فلم يكن يتأخر عن موعده ويسعى جاهدًا إلى التميز في اتقانه، وقد جاء انضمامه إلى صفوف كتائب القسام الذراع العسكري لحركة "حماس" في العام 2006م بعد حضوره لمهرجان انطلاقة حماس في عام2005م وتأثره بخطاب الأستاذ إسماعيل هنية القيادي في حركة حماس وقتها.
أثار "محمد أبو دراز" إعجاب المدربين في كتائب القسام وخاصة وحدة الاستشهادية وذلك بنشاطه الفعال والقوي أثناء التدريبات العسكرية وتدرج عمله الجهادي من جندي إلى أحد أفراد وحدة الاستشهاديين التي كانت تنفذ العمليات والاشتباك مع العدو من نقطة صفر، بعد حصوله على ثقة القادة وتفوقه بتلقي العديد من الدورات العسكرية، تخصصه بوحده الدروع انه لا يوفر وقتا ولا جهدا في العمل بالجهاد في سبيل الله تعالى، ثم تنصب مركز نائب فصيل الاسناد ثم ترفع إلى أمير مجموعة في كتائب القسام وكان من أشد المُحافظين على السرية التامة في العمل.
كان "محمد" مُقاوِمًا شرسًا يضع الجهاد على رأس أولوياته وقد كان شديد الالتزام والحرص على المشاركة في الأعمال الميدانية لكتائب القسام، ومنها حرصه القوي على الخروج للرباط في سبيل الله دون تقصير حتى أنه إذا ما كان يُعاني من ألم أو مرض كان يذهب للطبيب بدافع الشفاء لمواصلة العمل الجهادي والقدرة على القيام بمهمته في الرباط على أكمل وجه.
على موعد
حب الاستشهاد كانت الأمنية التي لا تفارق عيني "أبا أنس" وهو الذي لم يكن يصله نبأ استشهاد أحد من أصدقائه الأعزاء إلا يردد قائلًا: "راحت عليا"، تعبيرًا منه عن رغبته المُلحة في نيل الشهادة التي لم تكن بعيدة عن يديه فقد شارك في التصدي للعدوان الصهيوني في بلدة خزاعة في معركة العصف المأكول.
وارتقى شهيدًا في الثالث والعشرين من تموز لذات العام بعد إصابته بنزيف داخلي إثر اغتياله بصاروخ اف 16 من الطائرات الحربية الصهيونية، وذُكِر أنه كان مبتسمًا في لحظات الوداع للقاء ربه ويتلفظ بشهادة لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولم يأتي لأهله في المنام بعد استشهاده إلا وهو فرح ويخبرهم أنه حي لم يموت.