الاستشهادي المقدام
القسام - خاص :
فلسطين، الأرضُ التي باركها الله في كتابهِ المقدس، مازالتْ تُنبِت الرجالَ الصالحين الأشاوس، الذين أدركوا حجم وعظمَ المسؤولية على عاتقِهم فحَملوا أرواحَهم على أكفهم رخيصةً فداءً في سبيلِ الله والوطن.
نشأته
أشرقت الشمسُ على أرضِ خانيونس على غير عادتها، تزهو بفرحٍ واختيال فلقد شَهِدتْ ميلاد البطل الذي سُجِل وخلّد اسمه في التاريخ الشهيد: تيسير محمد عايش النجار وكان ذلك في الأول من ديسمبر للعام ألفٍ وتسعمائة وخمسة وسبعين.
نشأ الشهيدُ وترعرع بين أكناف أسرةٍ محافظةٍ وملتزمة عرفت الطريق والمنهاج الصحيح نحو الجنة، فدَّلت أولاَدها عليه ودفعتهم إليهم دفعاً.
تميّز الشهيد " الورد " رحمه الله أنه كان منذ صغره شجاعاً جريئاً في مواجهةِ الأخطار المحدقة، نبيهاً فطناً رغمَ عناده الملحوظ، ومع أنه كانَ الابن الثاني في ترتيبِ إخوانه، إلا أنه كان ذو علاقة متينةٍ مع والديه براً بهما، وكذلك أيضاً كانت معزّتهُ عندهما كبيرة، لاسيما وأنه كان يحرص على أن يُقبّل أيديهم يومياً، وتَذكُر والدتِه من مواقفه التي لا تنساها له بأنه كان يسألها دوماً عن حالها بقوله: كيف حالك يا أمي!؟
ويقول والده أيضاً بأنه كان يستشيره دوماً في أموره الخاصة والعامة،
ويُصِر على أن يوصله لأي مكانٍ يريده بسيارته.
وكان بطبعه يحبُ المزاح بحدود الأدب والأخلاق ليُضفي على شخصيته رونقاً خاصاً بين أقرانه وإخوانه، الذي كان لهم نِعَمْ السند وقت الحاجة، فلقد ساهمَ وساعد في تعليم إخوانه ثم زواجهم وبناءَ بيوتهم.
ومع أخواته فلقد كان دائم الوصل لهم، حيث لم تذكر إحداهن أنه قطعها يوماً بل بالعكس تماماً كان رحمه الله متودداً لهم، قريباً منهم، فكان محل ثقة ٍليقصدوه وقتَ الصعاب فيجدوا عنده الحل الشافي والكافي.
ومن المواقفَ التي تذكر لأقاربه بعد رحيله، أن خالَ الشهيد عند استشهاده بكى عليه بكاءً مريراً وقال لقد فقدنا ظهرنا وعمودنا الفقري الذي نركن عليه في أي ضائقة، وأيضا شهادة أخرى على طيبه خلقه وأسلوبه، أنه جاور خالته لثمانية عشر عاماً على التوالي، لم تتضايق منه من شيءٍ بل تقول إنه كان يُسعِدهُا بصوتِه الندي في قراءته للقرآنِ الكريم رحمه الله.
رحلته الدعوية
تَبِعَ الشهيد تيسير أخيه ياسر منذُ صغره إلى المسجد، وقد كان يعارضُ الأخير ذلك لصغرِ سن الشهيد وقتها، لكنه كان يشاكسهُ بالقول: عرفتُ وحفظتُ الطريق. وحينما بلغَ الثانيةَ عشر من عمره ، أضحى شبلاً ملتزماً من أشبال مسجدِ أبو عبيدة بن الجراح الذي شَهِد نموه وتشكيلَ شخصيته الملتزمة السوية ، ثم ليُضحي بعد ذلك الشاب القائد الذي يجمع الشباب ويستوعبهم ويحثهم على نهج وطريق المساجد ، فلقد كان رحمه الله هو من يُدير الندوة بنفسه ويفتتح حلقات التحفيظ بين أكنافِ المسجد ويشاركُ في الزيارات المسجدية ، حتى انتظم في أسر الإخوان ، وواكبَ ذلك زيادة نشاطه وفعاليته على أرض الميدان ،حتى أن الجميعَ كان يُثني عليه لتواضعه الكبير وعمله بصمتٍ وإخلاص ، حتى أنه قد لُوحِظ عليه الغضب الشديد من أجل الله فقط أما لنفسه فلم يغضب قط بل كان هادئاً مسالماً محباً لمن حوله . .
ويُذكر أن الشهيد تيسير رحمه الله كان قد التحق بدوراتٍ لتعّلم أحكام التجويد، فأنهى المبتدئة والعليا وقد كان ينوي لأخذ السند لكن المنية قد وافته قبل ذلك.
حياته العلمية
درسَ شهيدنا رحمه الله في مرحلته الابتدائية بمدرسة أحمد بن عبد العزيز، أما الإعدادية فلقد كانت بمدرسة عبد القادر، والثانوية كانت في مدرسة خالد الحسن.
وطيلة مراحله المدرسية تميز بين أقرانه بنبوغهِ وفطنته، إلا أنه لم يُكمِل الثانوية واتجه لمساعدةِ والده في العمل في حرفة البلاط، وقد أبدع فيها حتى جاءت الانتفاضة وبعد ذلك الانتخابات، ليتم فرزه ليقود القوة التنفيذية التي أنشأها سعيد صيام رحمه الله، فكان ممثلاً لمنطقة معن، وكعادته رحمه الله أبدع في عمله الحكومي ولم يتوانى للحظة أو يقصر!
بل كان مبادراً متفانياً مخلصاً، ليتوظف بعد الحسم العسكري المبارك كما يسميه في الشرطة الخاصة، وبقي نائبها في منطقته حتى استشهاده، وطيلة فترته الوظيفية كان يعمل بجد قلّ نظيره، خدوماً لوطنه وشعبه.
عمله التنظيمي
بعد أن رأى إخوانه في حركة حماس، نشاطه الملحوظ في المسجد وحرصه على الطاعات تم تنظيمه في أسرة دعوية، ليبايع بعد ذلك جماعة الإخوان المسلمين في الرابع عشر من شهر أكتوبر للعام ألفٍ وتسعمائةٍ وواحد وتسعين.
حيث أنه بيعته كانت على يد أحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية وهو الشيخ الحاج: محمد النجار رحمه الله.
شارك الشهيد في أحداث الانتفاضة وعلى إثرها تم اعتقاله لدى السلطة الفلسطينية طالبين منه أن يمتنع عن النشاط في الحركة، لكنه خرج من عندهم أكثر صلابةً وعزيمةً لمواصلة دربه الجهادي.
تخرج على يديه العديد من الأسر الجانبية والإخوانية، ولقد شهد له الجميع بأنه نِعم َالمُربي المفعم بالروحانيات والعبادات والزهد في الحياة.
حياته الجهادية
بدأ الشهيد تيسير يلحّ على إخوانه للانضمام في صفوف كتائب العز القسامية، فانضم إلى الصفوف في العام ألفين، ومن الفكاهة في هذا الأمر أن الشهيد تيسير رحمه الله ذهبَ إلى الشيخ: بسام الفرا، طالباً منه الانضمام للكتائب فهمس الشيخ في أذنه وقال: عليك بقيام الليل، فيقول الورد رحمه الله: "بعدها قمت 20 ليلةٍ متتالية ليتم قبولي جندياً في الكتائب" وتتبدّل الأحوال حتى ينضم الشيخ بسام إلى القسام علي يد الشهيد تيسير.
صادف انضمام الشهيد الورد للقسام بأن كان الوضع حينها خطيراً جداً، لا يسمح بانضمام أعدادٍ كبيرةٍ للكتائب.
وفي بدايات ذلك، كان مِمَّن تعرّف عليهم الشهيد، هم الشهداء: عبد السلام موسى ويوسف شهوان، وكان ذلك في رباطه بمنطقة النمساوي.
كُلِفَ الشهيد الورد بعد فترةٍ وجيزة ليختار أفراد مجموعته، فاختارَ خيرة من شباب المساجد وكان منهم: الشهيد زياد أبو خاطر والشهيد حابس مسمح رحمهم الله جميعاً.
وبتسليط الضوء على أعماله الجهادية وأدواره، نرى أن الورد رحمه الله قد عمل في مجال التصنيع وزرع العبوات وحفر الأنفاق، حيث كان مقداماً في ذلك .
ولقد تنقل الشهيد رحمه الله في أكثر من تخصصٍ ومجال، لكنه أحبَّ القنص وتخصص فيه لمهارته العالية وقدرته الفذة فيه، وإذ أنه قد كان صاحب نظرةٍ عسكرية ثاقبة.
تم اختياره لخبرته وكفاءته لتنفيذ عملية اقتحامّ استشهادية لموقع (نفيه ديكاليم) غرب خانيونس، بتاريخ التاسعَ والعشرين من نوفمبر للعام ألفين واثنين،
حيث أن شارة البدء بالهجوم كانت فجراً، وهي عبارة عن قذائف RBG أطلقها الشهيد محمد أبو شمالة رحمه الله.
يُذكر أن الشهيد قد تلقى تدريباته قبل الاقتحام، على يدي الشهيدين أبو شمالة والعطار قبل العملية بأيامٍ قليلة.
أُصيبتْ يده اليمنى بعد الاشتباك الذي استمر لساعةٍ كاملة، وحينما غادر المستوطنة علِق سلاحه في السلك فأصرَّ أن يأخذه رغم حالته الأمنية الخطيرة وإطلاق النار الكثيف، ويذكر أن العدو قد اعترف يومها باقتحام وانسحاب المجاهدين بسلام، بينما كانت الإصابات تتكبّد الجنود الصهاينة.
وبامتداد تاريخه الجهادي، نرى أنه قد أصبح أمير مجموعة ثم أمير فصيل برفقة الشهيد: ياسر الغلبان، ثم بعد ذلك عمل مسؤول سرية وعضو مجلس عسكري بالكتيبة .
وأيضا للشهيد البطل عدةِ أعمال أخرى، نذكرها:
1.التصنيع منذ بدايته
3.زراعة العبوات والبراميل .
5. ضرب مغتصبة ميراج بصاروخ بتار
6.اشتباك مسلح في غرب النمساوي
7.الحسم العسكري
هذا إلى جانب عطاءه في كل ميدانٍ يتواجد فيه، وجديرٌ بالذكر أن الشهيد طيلة مسيرته الجهادية قد أصيب بإصابتين ، إحداهما كانت خلال اشتباك مسلح وأخرى في اجتياح.
موعده مع الشهادة
أخبر الشهيد تيسير أهله قبل بدء المعركة الأخيرة، بأنه في حال حصل اجتياح بري فسيذهب حتى وإن كلفه ذلك روحه، وكأنه قد أحسَّ باقتراب الأجل!
وما إن دقتْ طبولَ حرب العصف المأكول، اتخذ الشهيد مقعداً له في الرباط في الخطوط المتقدمة الأولى وقد بقي مرابطاً في مكانه لإحدى عشر يوماً على التوالي يرفض أن يعود إلى منزله أو ما شابه، حتى عندما أُعلِنت التهدئة غضب غضباً شديداً فهو كان قد تمنى الشهادة وقتها
يذكر ُبعض أصحابه أنه حينما أُعلِنتْ الهدنة، رفع يديه داعياً الله أن تستمر الحرب وأن تصل الصواريخ حيفا، وفعلاً استجاب الله له وكان قصف حيفا بعد ربعِ ساعةٍ من دعاءه.
وفي ليلة الثالث والعشرين من تموز، إذ كانت الحرب على أوجّها، كان الشهيد تيسير برفقة الشهيد رفعت عويضة والشهيد بهاء عويضة وكذلك محمد عمران رحمهم الله، وكانوا قد حفروا حفرةً فرديةً تحسباً لأي طارئ.
صلى الإمام بالمجاهدين ثم التراويح وطلب من الشباب الانتشار لصعوبة الوضع حينها، وبعد استحمامهم وقد داعبه في ذلك أحدهم قائلاً: إن شاء الله عقبال حمام البيت يا ورد، فرد حازما: حمام الشهادة بإذن الله.
عند خروجهم من مكانهم في تلك الليلة، الذي كانوا متواجدين فيه فإذا بالقذائف تنهار بغزارة، فتوجه كلا منهم إلى حفرته ونجوا في ذلك، إلا الشهيد محمد عمران قضى نحبه لحظتها.
وبعد فترة وجيزة، تم قصف المكان بطائرات حربية لينهال الركام عليهم، وترتقي أرواحهم نحو السماء متعاليةً عن حطام الدنيا الفانية، ملاقين ربهم مقبلين غير مدبرين، طامعين أجراً من الله وفردوساً.
كرامات بعد استشهاده
أنه شُوهد ليلة إيقاف الحرب بين شجر أخضر وكان فرحاً حينها، وقال: مبارك عليكم النصر
وأيضا شاهدته شقيقته الكبرى في منامها وهو يلبس لباساً أخضر، وحينما سألته عنه أجابها بأن الملائكة ألبسته إياه،
وحينما سألت إن كان مرتاح أم لا، أجابها وقال: انظري إلى القصر والشجر الكثيف، ألا تظنين أني سعيد!؟
وأيضاً من كراماته أن ابنه محمد قد طلب منه كلمة سر الحاسب الشخصي له فأحابه أن اكتب بسم الله ليفتح، وبالفعل فُتِح الجهاز.
رحل الشهيد تيسير نحو السماء، وقد كانت حياته حافلة بالجهاد والنضال، فهنيئا له الأجر والثواب من رب كريم.