A
A
اذا ما قدر للرمز الشيوعي الكبير كارل ماركس، مؤلف المرجعية الادبية الشيوعية الاهم كتاب «رأس المال «، ان يعود الى الحياة مجددا لهاله وادهشه التحول الهائل والعظيم الذي اصاب دولا شيوعية بامتياز مثل روسيا والصين وفيتنام الذين تبنوا بكل سلاسة نظام السوق الراسمالي وسياسيا لا تزال كل من الصين وفيتنام على اقل تقدير تحكمهما منظومة الحزب الشيوعي فيهما.
وهذا يذكرنا باستخدام لفظ الديمقراطي في مسمى كوريا الشمالية تماما كما كان الحال مع كل من جمهورية المانيا الشرقية وجمهورية اليمن الجنوبية، وهذه الدول الثلاثة كما هو معلوما لا علاقة لها بالقيم الديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد. ولعل احد اهم الاسباب التي تجعل من نظم البلاد السياسية او كما تعرف سياسيا بشكل ادق: «الدساتير»، هو عدم وجود «قماشة كافية» تكفي لتوسيع قياس الغطاء السياسي القانوني للبلاد او تضييقه بحسب الظروف والتحديات المختلفة، وبالتالي الحاجة الملحة لذلك. فبدون هذه «القماشة الكافية» تصبح النصوص التي اسست المنظومة السياسية جامدة وضيقة، وخارج عن منظومة مراعاة الزمان والمكان فتتحول سريعا مع الوقت الى عالة كبيرة وعبؤ عظيم لا يمكن تحمله. فالاعتماد المطلق على مرجعية تاريخية لصياغة الانظمة والقوانين والسياسات هو تماما اشبه بمن يقود سيارته بسرعة كبيرة معتمدا وبشكل حصري على النظر في المرآة الخلفية فقط.
تنجح الامم والدول في التعامل مع كافة التحديات الحقوقية والسياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية المعقدة والمختلفة بايجاد منظومة دقيقة ومرنة، تمكن الكيانات البرلمانية من التعامل بشكل سلس مع ما تواجهه فلا تقف مجمدة ومعطلة بحجة ان النص القديم الذي امامها، والذي كان اساس الفكرة السياسية التي بنيت عليها، باختصار شديد لا يسمح بذلك ابدا. ومن هنا يتولد الاحباط وتولد الشعور بالعجز الكبير في مواجهة المصاعب والتحديات. ولعل اشهر من تحدث عن هذا الامر مبكرا جدا كان المفكر وعالم الاجتماع الكبير ابن خلدون، والذي عرف ان الدول التي لا تشكل منظومة لمواكبة التغيير بشكل منظم وقانوني، فهي حتما ستمر بمراحل ثلاثة وهي النمو والركود ومن ثم الانحطاط، وهي النقطة التي فطن اليها مبكرا الاباء المؤسسين للدستور الامريكي عندما اضافوا اليه المادة الخامسة شديدة الاهمية، والتي كانت بمثابة «القماشة الكافية» لتوسيع وتضييق الغطاء القانوني الدستوري، وذلك بحسب الحاجة والظروف بدلا من ان يتحول النص الدستوري الى ثقلا جامدا وعبئا سياسيا مكلفا للغاية بعد ذلك.
السلطة التشريعية هي مطبخ صناعة السياسة وصيانة العلاقات بين الدولة بجازها التنفيذي وبين الناس وطموحاتهم وامالهم وتحدياتهم ومخاوفهم المتغيرة والمتبدلة، بحسب الاوضاع المستجدة بطبيعة الحال. وهذا ما حصل مع الاتحاد السوفياتي على سبيل المثال عندما انعزلت منظومة صناعة القرار السياسي التشريعي عن الناس، واصبحت مغيبة تماما، وكان بالتالي الضرر الاقتصادي الكبير لان السياسات والتشريعات التي تصدر لم يكن لها اي علاقة بمتطلبات الواقع وتحدياته. وهذا تماما ما يمكن وصف به الحال في حزب البعث الحاكم بالعراق وسوريا او جماهيرية ليبيا القذافي، او حتى وصولا للنظام القائم في ايران اليوم. كل نظام يستطيع ان يوفر «القماشة الكافية» لتحقيق المرونة التشريعية الفعالة والمؤثرة يضمن الاستقرار والتواصل، وبناء مزيدا من جسور الثقة والمصداقية والاعتمادية، وهي اضافات لا يمكن انكار اهميتها في الرصيد والوجدان العام للشعوب بصورة عامة.
البقاء مهارة سياسية لا يحسن اجادتها الا من يتعظ من تجارب التاريخ المهمة والتي تقدم لنا عبر القماشة الكافية!
اقرأ المزيد من حسين شبكشي