القسامي المقدام
القسام - خاص :
تخوض فلسطين معركة صراع بين الحق والباطل حتى يوم الدين، وإن هذه المعركة تستنزف الكثير من دماء أبناء هذه الأرض المباركة وهذا هو مهر التحرر والاستقلال، ولأنه وعد الله في الأرض وسينفذ، كان هناك رجال يعدّون العدة ولا تغفل أعينهم لحظة في سبيل الله والوطن.
نشأته
في العام ألف وتسعمائة و اثنان وتسعون كانت خانيونس، قلعة الشهداء في فلسطين على موعدٍ مع ميلاد أحد فرسان القضية الفلسطينية وأحد أبطالها الأشاوس، لم يكن يعلم أهل بيته حينها أنه سوف يضحى هذا المولود مُخلداً بالتاريخ كبطلٍ حاربَ ضد عدوه الجاحد ثم رحل شهيداً، ليضحى أميراً من أمراء الجنة.
الشهيد ثائر ناجي عميرة العمور، وبلدته الأصلية عروس الصحراء في الجنوب - بئر السبع-، كان له نصيبٌ من اسمه ثائر، حيث أنه لم يرتض الذل والهوان الذي رآه ضد أبناء شعبه بل ثار وانتفض مع إخوانه الثائرين.
كان نصيبه أن يكون أكبر الذكور في عائلته ذات الطابع الديني الملتزم، فكان صاحب علاقة طيبة وممتازة مع والديه، اللذين لازالا يشهدان له ويذكران مواقفه معهما بحيث كان مطيعاً لهما، براً بهما مدركاً أن رضاهما من رضا الله الذي هو أسمى غايته.
نشأ الشهيد ثائر رحمه الله في أسرته المتواضعة والملتزمة ليرث عنهم الأدب والأخلاق والسلوك الحسن، حيث أن علاقته مع أقاربه وجيرانه كانت أيضاً متينة قائمة على التفاهم والاحترام، وكان يحرص رحمه الله على أن يكون بين أعمامه دوماً، حريصاً على الاستماع إليهم والتعلم منهم، فلقد عُرف عنه أنه قليل الكلام، كثير السؤال عن الفقه والدين فقط.
حياته العلمية
أما عن دراسته، فإنه رحمه الله ارتاد مدرسة الفخاري كما أقرانه في المنطقة، ثم انتقل إلى مدرسة الناقورة الحكومية، وفي كلتا المدرستين عُرِف عنه أنه هادئ ومطيع ونجيب.
ولقد توقفت حياته العلمية بعد دراسته للثانوية، فلم يستطع إكمال الدراسة الجامعية نظراً لظروفه المادية الصعبة رغم أن روحه كانت تواّقة لتنهل العلم، كما هو حال كثير من شباب القطاع.
التزامه وحياته الدعوية
لقد كانت روحه البريئة التي تكبُر شيئاً فشيئاً تواّقة إلى أن تنهل من نبع الإسلام وتعلم آدابه وأركانه، فتعلّقت روحه بمسجد رضا في منطقة الفخاري - خانيونس، حيث أنه كان يؤدي صلواته ويقطن مع أقرانه فيه، مندمجاً معهم وفي أنشطتهم في صمتٍ مهيب يدل على ذكائِه وجديته بالعمل.
فقد رافق شيخه الشهيد: سلمان حامد العمور لفترات زمنية طويلة ليقتدي به ويتعلم منه، فروحه العطشى لذلك لم تكن لترتوي بأقل القليل، حتى شبّ الطفل ثائر وهو ملتزم دينياً، معروف أخلاقياً بالسوي المثالي.
وقد كان يشارك في أنشطة الجماهيري في مسجده، ويحرص على المشاركة في الزيارات الاجتماعية المختلفة، صاحب واجب لكل من يعرف، رغم أنه شَغِل منصب نائب أمير المسجد إلا أن ذلك زاده تواضعاً وحباً للناس والمساعدة فلم يبخل قط بالمبادرة أو العمل الخيّر.
وفي العام ألفين وإحدى عشر، انضم كأخ جديد إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد مبايعته، ليضحى خادماً لمسجده ودعوته اللتين سخر لهما وقته وحياته.
حياته الجهادية
عن الوطن ، أمه فلسطين فلقد حمل روحه على كفه هدية لها وفي سبيلها ، إذ أن شهيدنا ثائر رحمه الله التحق بجهاز الشرطة الفلسطينية في الشرطة الخاصة وشاء القدر أن يكون قائده وقتها الشهيد : تيسير النجار " الورد " ، متحدياً كل صعاب التي قد تواجهه ، ورغم الواجبات المُلقاة على كتفه إلا أنه كان منافساً لأقرانه ، ودوماً يعمل بالمقدمة .
وفي خضم ذلك ، تنهض روح الشهيد ثائر وتطمع بالاستزادة ، فلم يكتفي بأن يعمل شرطياً وموظفاً عسكرياً , بل طالب بالإنضمام إلى صفوف كتائب القسام وكان له ما أراد في العام ألفين وأربعة عشر ، انضم لها بهمةٍ قوية وعزيمة فتية فاستطاع بسهولة أن يجتاز الدورة التنشيطية ثم خاض دورة إعداد مقاتل بنجاح كبير سُجل له فيها أيضاً، انه حاز على المركز الأول في دورته العسكرية ، ولقد استحق هذا اللقب لسرعته العالية جداً بالجري واللياقة أيضاً ومهاراته العسكرية الفذة . .
وبالرغم من عمله الحكومي ووقته الطويل الذي يكون فيه، إلا أنه لا يذكر أنه كان يتغيب عن واجبه العسكري ، لم يشفق على نفسه يوماً بأنه سيُتعب جسده ويشقّ على روحِه، بل كان شعلةً من حماسٍ ونشاط، متفانٍ لخدمة الوطن والدين.
موعده مع الشهادة
في العام ألفين وأربعة عشر، أي بعد أقل من عامٍ من انضمامه للكتائب، دّقت الحرب طبولها وأعلنت بدء المعركة وكانت العصف المأكول.
كانت النيران تدّك في مغتصبات العدو، وكان الاحتلال قد جُنّ جنونه وأصبح يقصف ويغير على غير هدىً، فلقد نال منه مقاتلو غزة ورجال القسام الذين لم تثبّط همتهم كثرة الشهداء والجرحى بل كان ذلك وقوداً لهم.
لينتقموا من عدوهم اللعين، فكانت الكمائن التي تنصب لقوات الاحتلال لا تعد ولا تحصى، ومن ذلك ما قام به الشهيد ثائر رحمه الله فلقد فجّر عبوة جانبية في دبابة ميركافاه، وبعد عمله هذا هُدم المكان الذي كان فيه من قبل جرافات الاحتلال ما أدى إلى استشهاده.
فاختتم الشهيد ثائر حياته بعملٍ مقاوم شريف يُسجل له شجاعته المعهودة، ومما يدّلل على كرامة هذا الشهيد بإذن الله أنه وُجِد بعد أحد عشر يوماً ولم يتغير فيه شيء، ليّن المفاصل وكأنه استشهد في يومها.
فلله دُّرك يا بطل، ثُرتَ فكنت ثائراً مقداماً لا يخشى المنية، طلبت الشهادة وسعيت لها فكتبها لك.
نم قرير العين فرجالنا ها هم خلفك لا تغفل أعينهم، على دربك سائرون حتى التحرير بإذنه تعالى.