جواد كاظم الخالصي
حتى اكون دقيقا فيما تطرقت اليه في مقالي السابق حول احداث قرية جيزاني الچول حيث مفرداتها المؤلمة لكل فرد عاشها خصوصا العوائل التي تعرضت لاضطهاد النظام السابق بأجهزته الامنية المتنوعة ..
لقد قلت أنني كنت في نهاية العقد الثاني من عمري والصحيح انه في منتصف العقد الثاني من عمري وهنا كان الخطأ في الكتابة .
أما ما يخص الشهداء الاحد عشر الذين طاردتهم اجهزة النظام السابق ؛ أنا نقلت ما كان يدور من حديث في القرية بأنهم يواجهون كل تلك القوة بأسلحة شخصية مرخصة من الدولة ولكن من أجل الحقيقة ودقتها عدت ودققت المعلومات من أناس كانوا ذلك الوقت اكبر مني سناً وقد كنا جميعا نعيش حالة من الرعب لم يسبق لها مثيل ،،، فقال لي هؤلاء الاكبر مني سناً بأن المجموعة الذين لاحقتهم عناصر امن صدام وجيشهم الشعبي حيث باغتوهم في الصباح المبكر ربما لم يكونوا يحملون اسلحة بل انهم هاموا على وجوههم في بساتين المنطقة املا في التخلص من الرصاص الغزير الذي كان يُسمع تقريبا في أغلب بيوت القرية ،، وهو ما أرجحه أنا شخصيا بسبب المباغتة صباحا من قبل عناصر الامن وهم أساسا كانوا مسالمين لا يحملون سلاحا إلاّ من موقف عدم الاستسلام لأفكار البعث ورفضها بالمطلق وأعتقد ان ذلك من حق كل انسان أن ينتهج فكرا سياسيا يريده ،لذلك لوحظ حالة القتل في اوساطهم فاستشهد نصفهم تقريبا ،وهذا يدلل على ان استخدام السلاح بهذا الشكل المفرط من قبل اجهزة القمع البعثية مع مجموعة شباب عزّل إلاّ من أفكارهم وثقافتهم هو تدافع شوفيني لانهاء تلك الافكار وقتلها التي كانت ترعب النظام الشمولي وكما يبدو واضحا هو عملية انتقام من أغلب عوائل تلك القرية، وهذا لا يعني انهم غير قادرين في الدفاع عن انفسهم بحمل السلاح وليسوا بالجبناء فهم أصحاب موقف وعقيدة ثابتة أرعبت البعثيين في محافظة ديالى والسلطة في بغداد لان قرية جيزاني الجول كان نظام صدام يعتبرها منطقة خطيرة على نظامه ((( بحيث بعض البعثيين من القيادات كانوا يتداولون تسمية (جيزانستان!!) في اشارة خبيثة جدا ))) وفعلا كانت هي المرتكز الرئيس للمناطق العراقية الاخرى في محاولة الانقلاب التي كادت ان تطيح به بداية الثمانينيات اي بعد تلك الاحداث بسنتين وهو ما سوف اتحدث عنه بالتفصيل من خلال شهادات بعض اركان هذه المحاولة الانقلابية الذين ما زالوا على قيد الحياة.
نسيت أن أذكر في المقال حالة الرعب التي حصلت لأطفال المنطقة جميعا كيف يمكن ان يعيشوا تحت وطأة أزيز الرصاص لأيام معدودة حالة الخوف والقلق من المجهول وهم يرون ذلك على وجوه أهليهم ، لك ان تتخيل عزيزي القارئ هكذا تراجيديا قاسية ومؤلمة ربما بقيت عالقة حتى في اذهان اولئك الأطفال الذين هم اليوم تجاوزوا الاربعين عاما ولا يريدون لأطفالهم ان يعيشوا ما عاشوه هم في صغرهم.
وفاتني ايضا ان الاخرين السبعة بعد استشهاد اربعة اشخاص كانوا معهم قد تواردت معلومات وأحاديث في القرية فيما بعد الواقعة الأليمة بأشهر قليلة بأنهم تمكنوا من الهرب ومعلومات اخرى تفيد بأنه تم الايقاع بهم من قبل اجهزة أمن صدام من خلال بعض وكلاء الامن وقد كانوا كُثُر ذلك الوقت كما تعلمون ولذلك تم تغييبهم ربما في السجون او المقابر الجماعية او الاعدامات الفورية ولم يبقوا على قيد الحياة ،، وإن عدم وجودهم رغم مرور عشرات السنين يثبت ذلك وهي الحسرة التي بقيت في قلوب ذويهم الى يومنا هذا . رغم إن بعض امهات هؤلاء كُنّ يأملن ان ابنائهن لا زالوا على قيد الحياة يعيشون في دولة ما من دول العالم بعد هروبهم ولكنه امل الامهات المحفوف بالألم أعانهنّ الله لانني بعد سقوط النظام زرت البعض منهن فوجدت الالم يحفر في قلوبهن والزمان خطّ دروبه على وجوههن ،، حينها بكيت مع احداهن عندما سألتني بلهجتها العراقية الشعبية ( يُمّة ما شِفت وليدي بالدول الي انتو عايشين بيها) كانت تتأمل ؛؛؛ وذلك في العام 2003 اول زيارتي للعراق بعد فراق طويل .
فمن هو الذي ضَمِنَ او سيضمَن لتلك الامهات رد الاعتبار وحق الامومة المفقودة على اولادهن ظلما وعدوانا من قبل نظام تعامل بكل جبروت وقسوة فمزق قلوبهن ،، اين مواقفكم ايها الحكام الجدد حتى ان بعض العوائل أهملت سوى منحها شيئا من الفتات تحت قانون العدالة الانتقالية والذي تتكالب عليه بعض الألسن اليوم من اجل الغاء هذا القانون وللاسف منهم اعضاء في البرلمان العراقي في النظام السياسي الجديد .
أحببت أن أصحح تلك المعلومات للحقيقة والتاريخ ولكي اكون دقيقا في نقلي للاحداث وما جرى فيها والانسان غير معصوم من الخطأ واعتذر إن كان هناك أي خطأ في مقالي السابق وبالتأكيد سأكون دقيقا جدا في الكتاب الوثائقي الذي انوي اكمال مشوار ما قد بدأته لانني حينها سأكون باحثا علميا حياديا .
نقاط سريعة:
١- للتذكير ان جميع من طاردتهم اجهزة البعث ليس لديهم انتماءات حزبية وانما أناس رفضوا الظلم وتحدوا الظالم.
٢- كانت هناك مداهمات في المنطقة حتى قبيل تلك المأساة على الجميع بما فيهم اعضاء في الحزب الشيوعي هم ايضا من أهل المنطقة .
٣- معاناة الامهات وآلامهن يتحملها النظام البعثي بكل مؤسساته بشكل كبير وكذلك يتحملها الى حد ما الحكام الحاليين لعدم عنايتهم بتلك العوائل المضطهدة بل بالقرية بشكل عام في خدماتها وغير ذلك.
٤- سبب تركيزي على هذه المجموعة يأتي من اعتبار انها كانت نقطة الشروع بالنسبة لنظام البعث المنحل للقيام بالكثير من المجازر لان العالم بكل تنوعاته كان متفرجا فقط ولم يحرك ساكناً على مدى ثلاثة عقود ونصف حيث زهقت ارواح مئات الالاف ان لم يكن بالملايين .
ولذلك ركزت على تلك الحادثة لان ما جرى بعدها هي المجازر والانتهاكات الاكثر ايلاما حصلت مع ابناء المنطقة والذي ساتحدث عنه بالتفصيل بعون الله.
٥- لم نلحظ الجدية من الحكومات العراقية في النظام السياسي الجديد انها قامت بتعويض المتضررين من النظام السابق مثل تجريف البساتين وهدم البيوت ومصادرة الاموال الهائلة في الوقت الذي نشاهد ونلمس ان الكثير من التعويضات دفعت لاصحابها ممن فقدوها بعد العام 2003 حتى تبين ان البعض مع التنظيمات الارهابية فأي عدالة هذه حكومتنا الرشيدة .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط