العود وأثره على تشديد العقوبة
د. ماجد احمد الزاملي
عرفت القوانين التقليدية نظام العود وأهتمت به ووضعت له حلولاً تعتبر مثالاً للحلول التقليدية للجاني واستندت هذه القوانين أساساً على المبادئ التي نادى بها مونتسكيو والتي تقوم على أصول ثلاثة هي المسؤولية الأدبية والعقوبة الرادعة وشرعية الجرائم والعقوبات ، ولهذا فهي لم تكن تعتد إلا بالفعل الموصوف بأنه جريمة وفقاً للقانون ، ولما كانت الجريمة تعتبر نتيجة لسوء إختيار وانتهاك خاطيء للقواعد المتعارف عليها ، لذلك كان من المنطق أن يعتبر العود مظهراً لإرادة مُصرة على الشر زإيذاء الغير وانتهاك القواعد القانونية, كذلك يُعتبر العود ظرفاً مشدداً للذنب ويبرر توقيع عقوبة أشد ، إذ أن العائد بارتكابه جريمة جديدة دلَّ على عدم كفاية العقوبة المحددة قانوناً على الجريمة الأولى. إلا أن النظام الحديث وتطور المفاهيم في مواد العود والإعتياد على الإجرام ودراسة شخصية المجرم أثبتت أن العود ليس إلا دليلاً على شخصية يجب البحث في سبب تشكلها على هذا الوجه ، فالقول بأن العود يمثل ذنباً أشد وأن المجرم المعتاد غير قابل للإصلاح ، وأن ما يصلح لشخص قد لا يصلح للأخر ، لهذا فقد تطورت النظم القانونية والعقابية متمشية مع هذه الأفكار وموازية لها ، وتَضمَّنَ التجديد الذي جاءت به هذه النظم عنصرين أساسيين:
الأول: الإهتمام تشريعياً بمفهوم العود للإجرام ومؤداه الإتجاه التدريجي لهجر نظام العود كظرف مشدد وفقاً للشروط المحددة قانوناً والتركيز على حالة الفرد الشخصية.
الثاني: أعتبار التدبير الاحترازي الوسيلة الطبيعية لحماية المجتمع ضد مختلف فئات المجرمين الخطرين بسبب حالتهم الذاتية.
ويُعد عائداً كل من يرتكب جريمة بعد عقابه بموجب أخري، فالعود يستوجب صدور حكم بات سابق بالعقاب علي الجاني، فالأخير لا يعتبر عائدا إلا أذا صدر عليه حكماً سابقاً بالعقاب وأصبح هذا الحكم باتاً قبل ارتكابه للجريمة اللاحقة . وللتأكد من هذا الأمر يوجب المشرع علي القاضي التثبت من محتوي بطاقة السوابق العدلية للمتهم .فلو أدانت محكمة الموضوع المتهم بوصفه عائداً على أساس تصريحاته ودون أن يتضمن ملف القضية ما يثبت اعتمادها علي بطاقة السوابق العدلية فإن الحكم يكون ضعيف التعليل ومعرضاً للنقض. ولكن ليكون هناك عود لايكفي أن يتعلق بالمتهم حكم سابق بالعقاب، بل يجب كذالك أن يتعلق هذا الحكم بجريمة سابقة . فمثلا إذا إرتكب الجاني جريمتين وصدر عليه حكم أول بالعقاب ثم أحيل مرة أخري علي المحاكمة من أجل جريمة مغايرة فلا يعتبر المتهم عائدا لأن الحكم السابق لم يكن لنفس سبب الحكم اللاحق، كما لا يؤخذ بعين الاعتبار العود في حالة المخالفات بل يؤخذ فقط في الجنح والجنايات( فصول 240 ومابعدها من مجلة الجزائية التونسية المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية 2016). والحكم الذي يُعد سابقة في العود هو الحكم البات، أي الحكم الذي إستنفذ كل طرق الطعن وأصبح نهائياً وحاز قوة الشيء المقضي وعليه فالحكم بالإدانة لا يعد سابقة في العود طالما أنه لم يصبح حكما باتاً بطريق عادي أم بطريق غير عادي بعد، كأن تكون لدى الجاني طريقاً قانونيا للطعن بالحكم. وكما أن الحكم الذي إنتهت أثاره لا يُعد سابقة في العود، إذ يجب أن يكون الحكم نهائياً ومنتجاً لأثاره حق يعد سابقة في العود. فسقوط الحكم بالعفو الشامل أو برد الإعتبار ولا يمكن إعتباره سابقة في العود(عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، القسم العام ،الجزء الأول، الجريمة الطبعة السابعة ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر , ص 378 – 379،2009).
والعود المتكرر يعني أن المحكوم عليه قد سبق أن صدرت ضده أحكام إدانه من أجل نوع معين من الجرائم ، ثم عاد مرة أخرى إلى ارتكاب جريمة مماثلة من نفس النوع ، بحيث يدل الارتكاب الجديد على أن العقوبات السابقة لم تكن رادعة ومحققة للمنع الخاص ، لذ يقرر تشديد العقوبة لتصل إلى الأشغال الشاقة . أما الاعتياد فهو صورة من صور العود المتكرر ، إلا أنه يكشف عن خطورة إجرامية كامنة لدى المحكوم عليه . مما يحسن معه ترك الاختيار لقاضي الموضوع في استبدال العقوبة بتدبير احترازي.
ويلزم لاعتبار المجرم معتادا على الإجرام توافر ثلاثة شروط:
١_أن يسبق الحكم عليه في جنايتين أو جنحتين أو جناية وجنحة عمديتين. على أن تكون هذه الأحكام أصبحت نهائية وقت ارتكاب الجريمة الجديدة ولكن لا يشترط أن تكون قد نُفِّذت.
٢_أن يحكم على الجاني في جريمة جديدة تكون جناية أو جنحة عمدية أياً كان نوعها
٣_أن يتضح للقاضي من طبيعة الجريمة المرتكبة وخطورتها والزمن الذي وقعت فيه وسلوك الفاعل وسيرته ودوافعه.
شروط احتراف الإجرام:
٢ أن يحكم عليه بعد ذلك في جريمة أخرى
٣ أن يتبين للقاضي من طبيعة الجرائم المرتكبة ونوعها وسلوك الجاني وسيرته ونوع حياته وظروفه الشخصية والعائلية ودوافعه أنه يعتمد في معيشته ولو جزئيا على ما يجنيه من الإجرام.
العود إذاً هو حالة شخصية لا تتعلق بخطورة الجريمة بل بخطورة الجاني وفقاً للمعنى الواسع لهذا الوصف . ومع ذلك فإن العود يدخل في نطاق المسؤولية عن فعل إجرامي مما يطبع بأثره جسامة العقوبة ، ويعود منطقياً تشديد العقاب حتى لا يعد المجرم لأول مرة أسوأ حالاً من المجرم الذي يتكرر سلوكه الإجرامي.
كذلك المجتمع له دور كبير في عودة الشخص المجرم إلى الإجرام، سواءً بسبب من الأسباب الإجتماعية التي تعتبر هذه الأخيرة من بين دوافع الإجرام، وكذلك عدم تقبل المجتمع للمفرج عنه ، وهذا ما يؤدي به إلى العودة إلى الإجرام ، والعودة إلى السجن هروبا من المجتمع الذي لم يتقبله.
وتتجه معظم التشريعات إلى تشديد العقوبة في حالة توافر شروط العود ، مثال ذلك ما نصت عليه المادة خمسين من قانون العقوبات المصري حيث نصت على التشديد في حالة العود بتجاوز الحد الأقصى إلى ما يتعدى ضعف العقوبة ، على ألا تزيد مدة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن على عشرين سنة . والتشديد قد يكون جوازياً وهذا هو الغالب في معظم التشريعات كما قد يكون وجوبياً . وقد يحكم على الجاني العائد بعقوبة تبعية أو تكميلية بجانب العقوبة الأصلية . على أن التشديد في حالة العود لا يمنع القاضي من استعمال الظروف المخففة والنزول بالعقوبة ، كما لا يمنعه أيضأ من تطبيق نظام وقف تنفيذ العقوبة.
وأولى علم الإجرام والعقاب أهمية بالغة لهذه الظاهرة لكشف الستار على العوامل المؤدية إلى حدوثها، ومن ثم مواجهتها، ولذلك سعى أغلب المشرعين إلى مواكبة التطورات الحاصلة في المنظومة الجنائية المعاصرة، ونظرا لنجاح الأساليب المعتمدة فيها في مكافحة الجريمة، وقدرتها على إعادة الإدماج الإجتماعي للسجناء ، إستحداث أساليب فعالة لتحقيق تأهيل واصلاح السجناء.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط