الحريات في الدستور القطري
389
عند التطرق في مدلول الديمقراطية في الدستور القطري يجب أن نأخذ بالآتي: أولاً: الأخذ بمبدأ أن السيادة للشعب: وهذا ما نصت عليه المادة (59) من الدستور، عندما تكون السيادة في الدولة (لفرد) نستطيع هنا أن نقول أن الحكومة مطلقة.
وعندما تكون السيادة في الدولة (للجماعة) تسمى حكومة الأقلية.
أما اذا كانت السيادة في الدولة للشعب وهو مصدر السلطات عندئذ تكون الحكومة ديمقراطية، أي أن ارادة الشعب هي العليا، فلا تعلو عليها إرادة أخرى داخل الدولة.
لذا.. نرى أن الدستور القطري أخذ بالنظام الديمقراطي والذي يخضع لسيادة القانون، وهذا ما أكدته المادة الأولى من الدستور أن: "نظام الحكم في دولة قطر ديمقراطي، السيادة فيه للشعب هو مصدر السلطات جميعاً، وتمارس هذه السيادة على الوجه المبيّن في الدستور".
وهذا ما بينته المذكرة التفسيرية أن: "النظام الأميري الديمقراطي أساس الحكم بكل ما يترتب على مشاركة الشعب في اتخاذ القرار في الحياة العامة عن طريق ممثليه في مجلس الشورى".
ثانياً: مبدأ المساواة: سواء كان نظام الحكم في أي دولة اشتراكياً أو رأسمالياً، فلا وجود للديمقراطية إلا على أساس المساواة بين جميع أفراد الشعب، وهذا المبدأ الذي أقره ديننا الإسلامي الحنيف، وأيضاً الكتب السماوية الأخرى والتي حرفت فيما بعد بالطبع، وفي نظريات العقد الاجتماعي والقانون الطبيعي.
قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".
وهذا ما نصت عليه المادة الأولى من إعلان حقوق الإنسان "بإن الناس ولدوا ويظلون أحراراً متساوين في الحقوق".
وحيث إن الإعلان العالمي الصادر عن الأمم المتحدة قرر بأن"يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق " وتترتب على هذه المساواة المدنية الآتي: ١) المساواة أمام القانون: وهو مانصت عليه المادة (35) من الدستور حيث تساوي بين الناس جميعاً.
وكما جاء بالمذكرة التفسيرية "بأن الناس سواسية كأسنان المشط لذلك حظر الدستور القطري التمييز بين الناس بسبب أصولهم أو جنسهم، فساوت بين الناس في: الحرية الشخصية -الكرامة الانسانية- وعدم جواز القبض على الناس، أو حبسهم أو تفتيشهم أو أي تقييد لحريتهم إلا وفق القانون.
كما أن المادة (18) والمادة (19) من الدستور جعلت المساواة دعامة من دعامات العدل والإحسان والحرية والمساواة والأمن والاستقرار.
2) المساواة أمام المصالح والمرافق العامة: وهذا ما نصت عليه المادة (19) من الدستور "بإقرار تكافؤ الفرص بين المواطنين".
وأيضاً ماجاء بالمادة (28) من الدستور "بكفالة الدولة حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية وتحقيق الرخاء للمواطنين ورفع مستوى معيشتهم وتوفير فرص العمل لهم".
وأكمل الدستور مساواته أمام الوظائف العامة بنص القانون.
وقد يدعو ذلك للتحدث عن نقطة غاية في الأهمية وهي: - إيديولوجية النظام القطري: عندما قام المشرع بوضع الدستور القطري وتحديد مكان المجتمع القطري وما يرونه متفقاً مع ظروف دولة قطر الاقتصادية والاجتماعية، فإن تحديد الفلسفة الاقتصادية التي وجهها واضعو الدستور القطري عند تقرير الأحكام الأساسية بتحديد مكان المجتمع القطري من الاقتصاديات العالمية المختلفة، فلا بد أن نعرف بدايةً موقف الدستور القطري من هذه التيارات والأمواج المتلاطمة.
أولاً: ما هو المذهب الفردي الحر: هذا المذهب يجعل من الفرد غاية التنظيم الاجتماعي ويعلو من قيمته، والفرد هو أساس المجتمع، والدولة ماهي إلا وسيلة لإسعاده وحماية حقوقه.
وقد تمت الإشاره لهذا المذهب من قبل ابن خلدون، وارم سميث، وأصحاب مدرسة مانشستر.
لذلك.. نرى أن من خصائص هذا المذهب: - إن الفرد هو أساس المجتمع - تقدس فيه الملكية الفردية - الاقتصاد في هذا المذهب هو تحقيق الربح الفردي والبحث عنه.
- يمنع هذا المذهب الدولة من التدخل في حرية الأشخاص أو تنظيم نشاطهم الاقتصادي.
- يقتصر دور الدولة على الوظائف العامة فقط وإحلال الأمن.
لذلك.. سوف نأخذ أهم المبادئ التي يرتكز عليها المذهب الفردي الحر: ١) الملكية الخاصة: وهو ما نصت عليه المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان.
وقد نصت المادة (26) من الدستور القطري على: "الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي وهي جميعها حقوق فردية".
ونصت المادة (27) "أن الملكية الخاصة مصونة، فلا يحرم أحد من ملكه إلا بسبب المنفعة العامة".
ونصت المادة (28) من الدستور "أن الدولة تكفل حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية".
ونصت المادة (31) من الدستور "أن الدولة تشجع الاستثمار وتعمل على توفير الضمانات والتسهيلات".
- جميع هذه المواد في الدستور القطري أخذت بالمذهب الفردي الحر فيما يتعلق بالملكية الخاصة.
٢) حرية إقامة المشروع: وهي حرية إنشاء المؤسسات والمشاريع الاقتصادية، وحرية إدارتها من قبل الأفراد، وأيضاً تحديد الأجور دون أي تدخل من قبل الدولة.
٣) حرية التداول: كنتيجة حتميه لحرية التملك، وحرية المشروع، فلا شك أن تأتي بعدها حرية التداول التجاري والمنافسة التجارية بعيداً عن تدخل الدولة في ميدان النشاط والعمل، أو التخطيط أو الجودة، وتترك الأمور للقوانين وللعرض والطلب، فالمؤسسات التجارية حرة في التصرف، والمستهلك هو صاحب القرار والاختيار، وتكون هنا وظيفة الدولة مراقبة الأسعار والمقاييس والسلامة والأمن ومصلحة المجتمع والصالح العام.
ثانياً: المذهب الاشتراكي: هناك من الدول من يتبنى هذا المذهب، وإذا سلمنا أن الشيوعية الماركسية أو الاشتراكية هي نتيجة أفكار ماركس وإينجلز، وطورها كل من لينين وستالين، إلا أن المذهب معقد فلسفياً بمفهومها العلمي وجوانب المجتمع والإنسان فيها.
وبعيداً عن التعمق في هذا المذهب، فالذي يهمنا من الأمر الآتي: ١) الجانب الاقتصادي للمذهب الاشتراكي: اهتم ماركس بتحليل الأسباب الاقتصادية للصراع بين الطبقات، حيث يرى أن كل عقيدة سياسية هي وسيلة لمكافحة الاضطهاد والظلم.
وتسهيلاً على القارئ.. فإنه إذا كان نظر الليبرالية أن الظلم هو ظلم سياسي ناتج عن التركيبة الملكية والارستوقراطية للدولة، فإن الظلم في نظر الماركسية هو ظلم اقتصادي متمثل في الإنتاج والملكية الخاصة.
- لذا.. لا يرى هذا المذهب غير القيمة الجماعية، والمصلحة الجماعية عنده فوق كل اعتبار.
- يناهض الملكية الخاصة العداء ويدعو إلى إحلال الملكية الجماعية محلها.
- الهدف من هذا المذهب إشباع الحاجات الجماعية.
- ينادي بضرورة تدخل الدولة لتنظيم جهود الأفراد وتوجيه الاقتصاد.
- يمتلك هذا المذهب الوظائف والمصانع والشركات والمحلات، فالملكية الخاصة لديه معدومه.
وعندما أخذ الدستور القطري بالمادة ( 29 ) والتي فيها جانب من الفكر الاشتراكي حاله في ذلك حال معظم الدول العربية، حيث نصت المادة على أن: "الثروات الطبيعية ومواردها ملك للدولة تقوم على حفظها وحسن استغلالها".
وقد كيفتها المذكرة التفسيرية "أن الثروات الطبيعية التي حبا الله بها الدولة هي العصب الأساسي للتنمية والرخاء، وأن الدولة مسؤولة عن المحافظة عليها من أجل الحاضر والمستقبل، وأنها بمثابة المال العام وتتمتع بالحماية الجنائية.
- ترى الماركسية أنه ما دامت وسائل الإنتاج ملكية خاصة لفئة من الناس، فإن الصراع بين الطبقات سوف يدوم، وما دامت الحريات العامة حريات شكلية لا يستطيع ممارستها إلا من يملك المال الذي تمكنه من هذه الممارسه (أي الطبقة الرأسمالية) التي تمتلك رأس المال وفائض القيمة، فإن حسب وصف الماركسية الملكية الجماعية هي الطريقة الوحيدة لتحرير الإنسان من الظلم والاستغلال، ووضع حد للكراهية والصراع بين الطبقات.
موقف الدستور القطري من تلك المذاهب: - جعل الدستور مقومات المجتمع الأساسية في الملكية، أي حق الأفراد في أن يتملكوا برخصة قانونية لكل الناس والطبقات أياً كان حجم التملك أو نوعه أو مصدره.
- الاستثمار في رأس المال للمجتمع القطري ولكي لا يكون لفظ رأس المال معيباً أو متطرفاً أو منجرفاً نحو الاشتراكية أو فيه نوع من الاستغلال جعل المشرع العمل ركناً ثالثاً مهماً في المجتمع يحد من تسلط رأس المال على الرغم من كونها حقوق فردية فقد جعل لها الدستور وظيفة اجتماعية ينظمها القانون.
- الحريات الفردية التي كفلها الدستور القطري: الحريات الفكرية -والحق في الأمان -وحرية التنقل -واختيار مكان الإقامة -وحرية السكن -وحرية الرأي - وحرية البحث العلمي -وحرية التعليم -وحرية الصحافة -وحرية التملك -وحرية العمل -وحرية المراسلات -وحرية السفر والعودة -وحرية الانتخاب.
جميع هذه الحريات رعاها الدستور وحماها بنص القانون.
خبـير قانـوني