في ظل عمليات التدمير والاعتداءات اليومية لطردهم
جنين-علي سمودي- “توفي والدي الذي زرع فينا حب الارض والانتماء اليها وهو يقارع الاحتلال، ومهما مارس الاحتلال من ضغوط وأساليب، فلن نرحل أو نتخلى عنها”، قال المزراع ياسر أبو الكباش، عن الحملة الجديدة التي يشنها الاحتلال لترحيل سكان قرية حمصة الفوقا في الأغوار الشمالية.
وأضاف أبو الكباش في حديث لـ”القدس”: “ما نتعرض له ، هو استمرار لمخططات الاحتلال التي لم تتوقف منذ سنوات طويلة لاخلاء المنطقة وترحيلنا على مرأى ومسمع من العالم الذي يقف صامتاً ومتفرجاً، لكن ما دامت لدينا روح ونفس فنحن أقوى من الاحتلال”.
وتعيش في قرية حمصة 30 عائلة (حوالي 130 نسمة) ، وسط ظروف صعبة وقاسية تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وقد حول الاحتلال على مدار الأيام الماضية، حياة العائلات لكوابيس وقلق مستمر، في ظل المحاولات الجديدة لطردهم وحرمانهم من العيش في أراضي القرية التي تتجاوز مساحتها 2000 دونم مزروعة بالقمح والشعير، ولكنهم يصرون رغم ذلك على الصمود والثبات كالمواطن أبو الكباش، الذي يعتبر اراضي حمصة الفوقا “الحياة والروح والعرض والشرف، ومن واجبي الدفاع عنها حتى لو ضحيت بحياتي لتبقى فلسطينية”، ففيها ولد ونشأ وعاش مع والده الذي علمه “الانتماء الحقيقي للأرض وكيفية حمايتها من خلال الزراعة وتربية الماشية “.
الارتباط بالارض ..
ويروي أبو الكباش ، أن والده استقر في اراضي الحمصة الفوقا، منذ ترحيل عائلته خلال نكبة عام 1948 ، من خربة ” عتير ” التابعة لبلدة السموع بمحافظة الخليل وضمها وطرد سكانها، ويقول “من خلال زراعة الارض وتطويرها وحمايتها بدأ والدي في ريعان الشباب حياته في هذه المنطقة، وكافح وتعب وشقي كثيراً حتى تزوج وكون أسرة كبيرة ، ومن عرقه وعمله في الارض وتربية الماشية ، تزوج جميع أبنائه”.
ويضيف: “منذ صغري ، ارتبطت واخواني بهذه الارض التي نعشقها ونقدس ترابها، وتعلمنا فنون زراعتها وحمايتها من استهداف ومخاطر الاحتلال، وتوفي والدي فوق ثراها وهو يقارع الاحتلال، فكان وفياً وصادقاً ومرتبطاً بالارض وترابها الغالي الذي حافظ عليه، وأتذكر صمود ونضال والدي كباقي الأهالي في وجه ضغوط وممارسات الاحتلال بهدم المنازل وحصارنا وقتل حتى الاغنام ومصادرتها وفرض الغرامات الباهظة وتدمير المحاصيل الزراعية، وقد اكملنا المشوار رغم كل ذلك”.
من الذاكرة ..
رغم مرور السنوات، ما زالت ذاكرة أبو الكباش، تحتفظ بالكثير من الصور عن الاجراءات القهرية التي مارسها الاحتلال وعاشها في طفولته، ويقول: “لم يتوقف الاحتلال عن مضايقة العائلات الفلسطينية في حمصة، وما زال يستخدم حتى اليوم ، جميع الاساليب العنصرية بما فيها حرماننا من كافة مقومات الحياة والحصار الكامل لطردنا وترحيلنا، وأمام الضغوط والظروف الصعبة ، تركت بعمر 10 سنوات دراستي ، وانضممت واخواني لوالدي وعائلتي لتعلم الزراعة وتربية الماشية على يد والدنا، فكان الاحتلال لنا بالمرصاد”.
ويكمل ” ملاحقة ومقارعة الاحتلال لنا، التي عشتها في طفولتي لم تتوقف حتى اليوم ، وأبنائي العشرة وأحفادي يواجهون نفس المصير ويخوضون المعركة، وجميعنا ندافع عن الأرض وكل شيء في حمصة الفوقا “.
الحياة والواقع ..
بحزن وألم ، يقول أبو الكباش: “الاحتلال الذي وفر للمستوطنات كل مقومات الحياة والرفاهية والعيش الجميل في أراضنا ومن خيراتها، ما يزال يتحكم بحياتنا ومصيرنا، فنحن نعيش حياة بسيطة جداً في خيام من الخيش والبلاستيك وسط ظروف غير إنسانية، وما زلنا نطهو الطعام على الحطب ، ونستخدم قناديل الاضاءة القديمة لان غالبية خلايا الطاقة الشمسية لا تعمل، ورغم ذلك ، يلاحقنا الاحتلال ويهدم الخيام ، وأصبحنا نستيقظ صباح كل يوم ، على قوات كبيرة من جيش الاحتلال، تهدم الحظائر والمنازل وتصادر الجرارات والمعدات الزراعية “.
ويكمل ” في 3-11-2020 ، هدم الاحتلال مأونا الوحيد وطفلتي شيماء عامين والرضيعة حسنة داخل الخيمة، ولم يراعوا وجودهما، وعشنا في العراء فترة وسط ظروف رهيبة “.
الهجمة الجديدة ..
أمام صمود الأهالي وثباتهم ورفضهم الخضوع للاحتلال، بدأ الاحتلال خلال الأيام الماضية بحملة وسياسة جديدة. وبحسب أبو الكباش، فان جنود الاحتلال، أصبحوا يقتحمون القرية ويطالبون سكانها بالرحيل الفوري دون اصدار اخطارات، ولارغامهم على ذلك، منعوا المياه عن الاهالي وماشيتهم التي تعتبر مصدر رزقهمم وعيشهم الكريم ، ويقول ابو الكباش ” دون سابق انذار ، اقتحمت دوريات الاحتلال المنطقة حوالي الساعة السادسة صباحاً، واستمرت حتى منتصف الليل بهدم الخيام والبركسات دون مراعاة وجود الأطفال وكبار السن، وحتى مستلزمات معيشتنا اتلفوها والقوها أرضاً “.
ويضيف ” أمام رفضنا الرحيل ، منعنا الاحتلال من استخدام بئر المياه الذي يبعد عنا 200 متر والذي يروي الاراضي الشاسعة، معتبرين المنطقة عسكرية مغلقة، ورغم أن المنطقة غنية بالمياة وتربتها خصبة للزراعة واراضيها وفيرة لرعي الأغنام ، أصبحنا ممنوعين من الوصول اليها، ولا يسمح لنا بالاقتراب من البئر وأراضينا التي يسرح ويمرح فيها المستوطنون ، علماً أن هذه الاراضي زراعية ونملكها باوراق ثبوتية ولا يوجد للاحتلال شبر واحد منها “.
العطش ومنع المياه ..
وفي نفس الوقت ، يتعمد الاحتلال ، نصب حاجز عسكري طيار في الطريق المؤدي لحمصة، لمنع ادخال صهاريج المياه اليها.
ويفيد أبو الكباش ، أن الاحتلال يستخدم اسلوب التعطيش كاجراء قهري، فالجنود يحتجزون كل صهريج متوجه للقرية ثم يصادرونه ويفرضون غرامات مالية على أصحاب الصهاريج ، ويضيف: ” صادر الجنود الصهريج الذي استخدمه لنقل المياه، وبقي محتجزاً لفترة طويلة حتى ارغموني على دوفع غرامة مالية بقيمة 3083 شيكل، ورغم استرجاعه ، لا يمكنني نقل المياه لانهم سيصادرونه مرة اخرى ، علماً أن لدي صهريجاً آخر لايزال محتجزا منذ 4 سنوات ولم يتم اعادته لي حتى اليوم”.
ويتابع ” حتى خلايا الطاقة الشمسية لم تسلم من الاحتلال وجرافاته التي دمرتها بشكل كامل، وحالياً نعيش على اضاءة قناديل الشمع والفوانيس” .
حصار كامل ..
في حمصة الفوقا، يملك أبو الكباش وإخوانه الستة مساحة شاسعة من الأراضي التي ورثها عن أجداده ووالده ، وما زالوا يزرعونها بالقمح والشعير ، كما يملك كل فرد من عائلته نحو 300 رأس من الماشية التي ينتجون منها الألبان والاجبان والسمن البلدي الذي يسوقونه في طوباس والمناطق المجاورة ، ويقول ” سنبقى نحارب من أجل البقاء والاستمرار على هذه الارض ، رغم الحصار الكامل الذي نتعرض له في الوقت الحالي”.
ويضيف “يومياً دوريات الاحتلال تقتحم المنطقة وتتجول في القرية وسط منازلنا بشكل استفزازي يثير الرعب والخوف لدى الأطفال بشكل خاص، والكارثة الكبرى، أن الاحتلال يداهم منازلنا البسيطة جداً وبركسات الاغنام وحتى مقومات معيشتنا وطعامنا، بأساليب مروعة ورهيبة ، فالجنود يتصرفون كأنهم قادمين لساحة حرب للضغط علينا”.
ويتابع “منذ عام 1948 لغاية اليوم يلاحقنا الاحتلال من اجل ترحيلنا، لكن التهجير الذي تحلم به اسرائيل مستحيل ولن يعاد ويتكرر مرة ثانية، ونحن مستمرون في البقاء رغم الالم، وصامدون رغم أنف الاحتلال في وجه الضغوط والقيود والسياسات، لنحمي أرضنا ونزرعها ونعيش منها “.