comparemela.com


منذ 8 ساعات
حجم الخط
تونس ـ «القدس العربي»: أصيب التونسيون بالصدمة والذهول من مشهد الأطفال المهاجرين إلى إيطاليا بطريقة سرية وهم يتحدثون عن مقتهم لبلدهم تونس الذي حرموا فيه من أبسط مقومات العيش الكريم، وهم الذين تجازوا العقد من الزمان بسنوات معدودة أو ربما لم يتجاوزوه. وتساءل البعض مستغربا، أهذا هو جيل الثورة التي طالما جعلت التونسيين يحلمون بغد أفضل ومستقبل استثنائي تصان فيه كرامتهم ويحققون عدالة اجتماعية حقيقية وتنمية شاملة لا تميز بين الجهات، يتم القضاء من خلالها على التفاوت بين هذه المنطقة وتلك؟
صحيح أن ظاهرة الهجرة السرية ليست جديدة على التونسيين، فقد كانت منتشرة قبل الثورة ويقبل عليها الشباب، لكن لم تكن بهذه الكثافة ولم تكن تشمل الأطفال واقتصرت على الشباب والكهول لا غير. وبالتالي فإن ما حصل هو غير مألوف وغير معتاد بالمرة، ويدق ناقوس الخطر لساسة ما بعد ثورة 2011 ويحثهم على أن يتحركوا لإيقاف هذه المهزلة وذلك من خلال فتح تحقيق في الموضوع، وتتبع المتورطين، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين عوض السلب والنهب والإنصراف إلى الصراعات السياسية.
أليس من المفروض أن يكون هؤلاء الأطفال في مقاعد الدراسة بصدد النهل من العلم والمعرفة في دولة راهنت منذ الاستقلال على التعليم الذي رصدت له وتحديدا مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ثلث ميزانية الدولة ولم ينفق على التسلح وإنشاء البنايات العالية والفخمة والمبهرة أسوة بعدد من البلدان العربية؟ هل فرّط التونسيون في مكاسب دولة الاستقلال التي ضحى من أجل تحقيقها جيل الآباء المؤسسين بالغالي والنفيس، بهذه السهولة، وفي عشر سنوات فقط، وهو ما أوصل أطفالهم إلى هذه الحالة من البؤس والفقر والتشرد في الضفة الأخرى للمتوسط؟
مسؤولية مشتركة
من المؤكد أن حكام تونس الجدد يتحملون النصيب الأكبر من المسؤولية عن الهجرة السرية للأطفال بالنظر إلى تقصيرهم وانصرافهم إلى البحث عن مصالحهم الخاصة ضاربين بمصالح عموم التونسيين عرض الحائط، بالإضافة إلى عدم محافظتهم على ما ورثوه من مكاسب من دولة الاستقلال أو دولة الاستبداد كما يسمونها، لكن هناك أطرافا أخرى تتحمل المسؤولية ويجب أن يقع تتبعها. ومن بين هؤلاء من وفر المال لهؤلاء الأطفال، ومن نقلهم في مراكب الموت، ومن لم ينتبه إلى عبورهم، أو غضّ الطرف عن هذا العبور وهو المطالب بخفر السواحل ومراقبة الحدود البحرية التونسية ومنع من يغادرها خلسة وخلافا للطرق القانونية المعتادة.
أي معنى للانتقال الديمقراطي الذي حصل خلال العشرية الماضية في تونس في ظل هذه الصور والفيديوهات الصادمة لعموم التونسيين؟ أي معنى لديمقراطية من دون تنمية، بل ديمقراطية تعجز حتى عن الحفاظ على ما تحقق سابقا من مكاسب اجتماعية؟ وما ذنب هذا الجيل الذي نشأ في رحم الثورة ومخاضها العسير ليعيش وسط الإحباط واليأس وانسداد الأفق؟
الوداع الأخير
لم يكن أستاذ المدرسة الابتدائية في معتمدية بئر علي بن خليفة من ولاية صفاقس التونسية رضا العرامي، يدرك ان تلميذته المتفوقة ملكة بن سعيد، التي تسلمت أعدادها يوم 30 حزيران/يونيو الماضي ستخرج من قسم السنة السادسة ابتدائي لتودعه للمرة الأخيرة. ويقول العرامي في حديثه لـ«القدس العربي» انه صدم قبل يومين حينما شاهد صورة تلميذته المجتهدة ضمن 400 طفل قصرّ هاجروا عبر قوارب الموت إلى السواحل الإيطالية.
وفي الحقيقة فإن مقطع الفيديو الذي ينقل صور الأطفال القصر الذي وصلوا للسواحل الإيطالية عبر مراكب الموت فاجأ شرائح تونسية عديدة وبثّ الخوف والحزن من الأوضاع التي آلت إليها بلادهم، وهي تقذف يوميا بأبنائها بعيدا نحو الشواطئ الأوروبية سواء من خلال الهجرة غير النظامية أو «الحرقة» كما تسمى في تونس أو عبر مواكب الهجرة المنظمة.
لقد تعددت الطرق والهدف واحد هو الهروب من بلد تعثّر في تحقيق مطالب التنمية والنمو والعدالة بين أبنائه وجهاته، فكانت النتيجة تصاعد مستويات الهجرة السرية إلى أرقام قياسية حملت معها للمرة الأولى أطفالا قصر. يقول الأستاذ العرامي بأن بئر علي بن خليفة معتمدية منسية تنمويا لذلك تتصدّر أرقام المهاجرين غير الشرعيين، فالتهميش الممنهج والحيف الاجتماعي والفقر المدقع يدفع بالشباب إلى الهروب من جحيم وطنهم حالمين بأوروبا.
أسباب عديدة
ويعتبر إبراهيم الريحاني الخبير في مجال الطفولة والقصرّ والمستشار لدى قاضي الأطفال لـ«القدس العربي» أن الهجرة غير الشرعية في تونس تعتبر من أهم الظواهر التي انتشرت في السنوات الأخيرة وارتفعت نسب المقبلين على الهجرة السرية والتي لم تشمل الشباب والنساء فقط، بل الأطفال أيضاً. ويتابع: «تشير إحصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يهتم بقضايا الهجرة، إلى تزايد ظاهرة هجرة القصّر لتبلغ نحو 1100 من الواصلين إلى إيطاليا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2019».
ومن أسباب هجرة الأطفال حسب محدثنا، هو الانقطاع عن الدراسة والتي تبلغ سنويا بين 100 و120 ألف منقطع، هذا إلى جانب غياب هياكل تهتم بالأطفال، خصوصاً المهمشّين منهم نتيجة الفقر والبطالة، وغياب العدالة الاجتماعية التي ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة. ويضيف: «ان إقبال الشباب التونسي على إلقاء نفسه في خطر مضاعف، بين الموت في البحر أو الموت بالوباء، أو البقاء عالقاً في سجون إيطاليا، يفسّر الانهيار الحاد في الأمل لدى هؤلاء المهاجرين المقبلين على عملية شبه انتحارية. هذا إلى جانب ضعف الرادع الأسري والاجتماعي والديني، وارتفاع منسوب اليأس في صفوف التونسيين وخصوصاً الشباب المصمّمين على الهجرة غير الشرعية».
ويضيف معتبرا ان «الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمناخ العام بالبلاد من الأسباب والدوافع الرئيسية التي تدفع الشباب التونسي إلى المخاطرة بحياته في عرض البحر، أملا منه في واقع أفضل. فهذه المواضيع والأفكار لا تناقش بالقدر الكافي من قبل مؤسسات تعنى برعاية الشباب والأطفال ولا يتم البحث جديا عن إيجاد الحلول لها».
أما عن رؤيته للحلول الممكنة فيوضح محدثنا: «للحد من تنامي هذه الظاهرة في صفوف التونسيين، لابد من مختلف الأطراف المعنية من جهات رسمية وهياكل حكومية من التحرك عبر إرساء منوال تنموي يحقق العدالة الاجتماعية. كما لا بد من توعية الشباب بمخاطر هذه الظاهرة وتشجيعهم على بعث المشاريع وتدريبهم على التخطيط والبرمجة في المدارس ضمن البرامج التربوية».
التنمية هي الأساس
ويقول أستاذ علم الاجتماع التونسي محمد جويلي لـ«القدس العربي» إن «الخروج من اليأس عبر الهجرة غير النظامية أصبح حالة عادية في تونس ولكن الجديد هو هجرة الأطفال القصرّ» وأضاف: «لقد دخلت متغيرات عديدة على هذه الظاهرة في المدة الأخيرة منها ان الهجرة أصبحت عائلية، فالعائلة باتت ترسل أبناءها وأطفالها وتسمح لهم بخوض تجربة الهجرة السرية». أما عن الدافع فيقول محدثنا: «ربما لأن هناك إمكانية بان الأطفال لا يمكن إرجاعهم ويمكنهم ان يستفيدوا أكثر من قوانين بلد الاستقبال. وربما لأن العائلة عندما تبعث بأبنائها بهذه الطريقة تعلم ان القوانين الأوروبية تقبل بالتحاق العائلة بأبنائها لاحقا. وكأنها حالة معاكسة للحالة العادية عندما يذهب الأب للهجرة في أوروبا وبعدها تلتحق به العائلة فبات الأمر هو العكس. فوجود الأطفال والقّصر يبين بأن الأزمة أكثر عمقا وأن هناك عملا كبيرا من قبل شركات التهريب التي باتت تُوسّع من قاعدة المستفيدين من خدماتها».
ويرى الجويلي بأن هناك حلولا عاجلة جدا هي في الأساس مراقبة شبكات التهريب والحدود وكل الشبكات مثل المخدرات والدعارة وكذلك شبكات تهريب الشباب إلى بؤر التوتر التي انخفضت قليلا. ولكن يبقى الحل التنموي هو الأساس. وهناك حلول أخرى على غرار الحق في الهجرة أي تمكين هؤلاء المهاجرين من ظروف جيدة للهجرة السرية لكي لا يموتوا وتتحمل أوروبا قبولهم بطريقة أو أخرى. وهناك منظمات حقوقية تدعو إلى عدم منع الناس من الهجرة لأنه حق إنساني وتكفله كل التشريعات القانونية مثل الحق في التنقل والهجرة، وعلى أوروبا ان تفتح أبوابها أمام الجميع أو ان تكون عمليات الهجرة السرية آمنة قدر الإمكان لكي يصل الشباب في ظروف حسنة.
أبعاد جديدة
ويتفق الباحث في علم الاجتماع هشام الحاجي مع الأستاذ الجويلي من ناحية ان الحلول يجب ان تتركز على التنمية بالأساس ويقول لـ«القدس العربي»: «اليوم الهجرة غير النظامية تتخذ أبعادا غير مسبوقة في تونس رغم ان الكثير من الدراسات كانت تبشّر بتراجع الهجرة بعد 14 كانون الثاني/يناير2011 ولكن اتضح ان الظاهرة أعقد مما توهم البعض بكثير». ويضيف: «هناك مستويان لهذه الظاهرة، أولا ان الهجرة غير النظامية هي أداة من أدوات شبكات الإتجار غير المشروع بالبشر وتدّر أموالا طائلة على هذه الشبكات. وهذا ما يفسّر تناميها وتطورها وأحيانا بقاءها بمعزل عن الرقابة أو المتابعة الأمنية. وهذا الجانب لا بد من الاهتمام به خاصة ان هذه الشبكات الإجرامية أصبحت لها أذرع سواء في وسائل الإعلام أو على مستوى الاحتكاك من المواطنين لتجعلهم يرغبون في الهجرة وتُغري الكثيرين من الذين لا يحسنون التفكير في مساوئ الهجرة غير النظامية».
ويتابع الحاجي «نحن لا ننفي وجود الأسباب الاجتماعية التي تغذي الظاهرة وتطورها بدءا بالأزمة الاقتصادية، فهناك ركود اقتصادي كبير ولا وجود لأفق حول التشغيل في المستقبل. كذلك الأزمة السياسية وعدم الاستقرار السياسي وتساؤلات كبرى حول المستقبل تدفع الكثيرين إلى الهجرة غير النظامية وتتغذى كذلك من السياسات الأوروبية غير المتكافئة والمتوازنة فيما يعلق باحترام حق البشر في التنقل بين الدول. وهناك قيود أوروبية على التأشيرة وغيرها ولم نخرج من نمط الشراكة غير المتكافئة بين الأقطار العربية وأوروبا». وهو – بحسب الحاجي- عامل آخر يغّذي الفوارق ويجعل من الهجرة السرية أمرا قابلا لمزيد التطور.
ويضاف إلى ذلك ان تونس أصبحت منطقة عبور من أفريقيا باتجاه أوروبا وهي تدفع ضريبة هذا الامتياز الجغرافي من خلال تنامي الهجرة السرية خاصة في ظل الظروف الأمنية والسياسية في ليبيا وضعف الرقابة وهو ما يشجع على تنامي الهجرة السرية.
وحسب الحاجي، لا بد من تعزيز الجانب الأمني وتفكيك العصابات وتشديد العقاب وهو مهم جدا لمعالجة الظاهرة. كما ان هناك بعدا توعويا لأن الكثير من الذين هاجروا كان الموت في انتظارهم في البحر، وحتى لو نجحوا في الوصول فإنهم يخضعون للابتزاز ولا تتحسن ظروفهم. ولا بد من توفير مواطن شغل وإعطاء الأمل بحياة أفضل في بلد المنشأ وهذا من شأنه ان يحدّ من الهجرة السرية.

Related Keywords

Tunisia ,Italy ,Libya ,Sfax ,Safaqis ,Italian ,Tunisian ,Tunisians ,Ibrahim Rihani ,Habib Bourguiba ,Al Quds Arabi ,Hisham Alhaji ,Bir Ali Ben ,Navy Tunisia ,Forum Tunisia ,Tunisia New ,Unlike Roads Legal ,Pan Tunisian ,Ali Ben ,Sfax Governorate Tunisia ,Queen Ben Said ,Xxx June ,Professor Aerami ,Tunisia Muhammad ,Professor Juweili ,Country Arabic ,Country Origin ,துனிசியா ,இத்தாலி ,லிபியா ,இத்தாலிய ,துனிசியன் ,அல் க்வ்ட்ஸ் அராபி ,அலி பென் ,நாடு ஆரிஜிந் ,

© 2025 Vimarsana

comparemela.com © 2020. All Rights Reserved.