comparemela.com


"في سنة ثلاثين وأربعمئة تعطل الحج من الأقاليم بأسرها؛ فلم يحج أحد لا من مصر، ولا من الشام، ولا من العراق، ولا من خراسان". يذكرنا بهذا النص -الذي أورده الإمام السيوطي (ت 911هـ/1506م) في كتابه ‘حسن المحاضرة‘- ما شهده موسم الحج في العامين الماضي والحالي (1441-1442هـ/2020-2021م) من قصر للمشاركة فيه على "أعداد محدودة جدًّا" من الحجاج، مخافة انتشار جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) بين جموعهم.
وتمثل هذه السابقة فرصةً مُثلى لدراسة تاريخ تعطُّل الحج -كليا أو جزئيا- في مختلف عصور التاريخ الإسلامي؛ إذ يبدو من الاستقراء الواسع لهذا التاريخ أن أغلبية حالات هذا التعطُّل -الذي توقفت معه مرارا حركة الدوران حول الكعبة- كانت تتم لأسباب سياسية أو لظروف أمنية ترتبت عليها.
فقد ألقت تلك الظروف -على اختلاف طبيعتها- بظلالها على شعيرة الحج وتأثر أداؤها بالاشتباك المتكرر بين الدوافع السياسية والنوازع النُّسُكية في تلك الشعيرة، سعيا لتحقيق السيادة على الحرمين لإحراز شرعية دينية للسلطة في نفوس الجماهير، وهو ما زاد كثيرا -مع أسباب أخرى ظرفية- من حالات منع الحج وتعطل مواسمه عبر القرون. ويسعى هذا المقال للتوقف عند هذه الظاهرة راصدا لوقائعها وكاشفا لأسبابها وسياقاتها.
صراع العروش
لعل أول وأهم الأسباب التي أدت إلى تعطل شعيرة الحج -كليا أو جزئيا- هو وقوع الصراعات السياسية سواء بمنطقة الحجاز وفي قلبها مكة المكرمة أو بأقاليم العالم الإسلامي الأخرى، وما كان يصاحبها من اقتتال يمنع الحجاج من الوصول إلى منطقة مشاعر الحج.
وكان أول تلك الصراعات تاريخيا ما وقع بين الأمويين والزبيريين مطع سبعينيات القرن الأول الهجري؛ فبسبب هذا الصراع لم يستطع أهل مكة -بقيادة عبد الله بن الزبير (ت 73هـ/693م)- أن يحجوا عام 73هـ/693م، كما يقول الطبري (ت 310هـ/923م) في تاريخه: "وحَجَّ الحَجَّاج (الثقفي ت 95هـ/714م) بالناس في هذه السنة، وابن الزبير محصور.. [في] مكة..، ولم يحج ذلك العام ولا أصحابه لأنهم لم يقفوا بعرفة".
وحين ثار العلويون -في الحجاز والبصرة- بقيادة محمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بـ"النفس الزكية" (ت 145هـ/763م) وأخيه إبراهيم (ت 145هـ/763م)؛ بلغت ثورتهما مصر والشام وسائر آفاق العالم الإسلامي، فما كان من والي مصر العباسي يزيد بن حاتم المهلبي الأَزْدي (ت 170هـ/786م) إلا أن "مَنع الناسَ من الحج في سنة خمس وأربعين ومئة، فلم يحجّ في تلك السنة أحد من مصر ولا من الشام؛ لما كان بالحجاز من الاضطراب من أمر بني الحسن" في ثورتهم على العباسيين؛ كما يذكر ابن تَغْرْي بَرْدي (ت 874هـ/1470م) في ‘النجوم الزاهرة‘.
ويمدُّنا ابن الجوزي (ت 597هـ/1200م) -في تاريخه ‘المنتظم‘- بسلسلة من وقائع انقطاع الحج من جهة العراق وما وراءه من مناطق خراسان وآسيا الوسطى، تواصلت لأعوام عدة بسبب تردي الأوضاع بالعراق مركز الخلافة العباسية وسلطناتها البويهية ثم السلجوقية.
ففي سنة 401هـ/1011م "لم يحج.. أحد من العراق" لأمرين: الأول هو اضطراب الأوضاع الأمنية المتردية جراء الخروج على العباسيين من والي الموصل قرواش بن مقلد العقيلي (ت 444هـ/1053م) ومبايعته للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (ت 411هـ/1021م)، وهو ما عبّر عنه عفيف الدين اليافعي (ت 768هـ/1367م) -في ‘مرآة الجنان‘- بقوله: "لم يحج ركب العراق لفساد الوقت".
والسبب الثاني وقوع فيضان كبير في نهر دجلة؛ حيث "تفجّرت البُثوق (= فتحات النهر) وغرقت القرى والحصون"؛ حسبما يذكره ابن الجوزي في ‘المنتظم‘، ويؤكده معاصره المؤرخ ابن الأثير (ت 630هـ/1233م) -في كتابه ‘الكامل‘- بقوله: "زدات دجلة إحدى وعشرين ذراعًا، وغرق كثيرٌ من بغداد والعراق، وتفجّرت البُثوق، ولم يحج هذه السنة من العراق أحد".
واللافت أنه في 401هـ/1011م نفسه لم يستطع حُجَّاج مصر أداء فرائضهم بسبب الأوضاع الأمنية المتردية، والصراع الداخلي بين القوات الفاطمية وأمير فلسطين حسان بن الجراح (ت بعد 415هـ/1025م) الذي خلع طاعة الفاطميين، وبايع أشرافَ الحجاز الذين كانوا يراوحون في ولائهم السياسي بين العباسيين ببغداد والفاطميين بالقاهرة، "فلم يحج أحد من مصر في هذه السنة"؛ وفقا للمقريزي في ‘اتّعاظ الحنفا‘.
وفي عام 407هـ/1017م "لم يحج الناس.. من خراسان ولا العراق"، وكان ذلك -كما يبدو من كلام ابن الجوزي- بسبب صراع على العرش البويهي وقع "بين سلطان الدولة أبي شجاع (ت 415هـ/1025م) وأخيه [قوام الدولة] أبي الفوارس (ت 419هـ/1029م)".
كما كان الصراع السلجوقي/الغزنوي للسيطرة على مناطق وسط آسيا وإيران -فضلا عن الاضطرابات الداخلية بمصر والشام جراء نزاع الوزراء على الإدارة الفاطمية- سببًا في انقطاع الحج 430هـ/1039م أيضًا، ولذلك يقول ابن الجوزي إنه "لم يحج الناس في هذه السنة من خراسان والعراق ومصر والشام"، وهذه هي الأقطار تمثل الأغلبية الساحقة من الحجيج آنذاك.
لعبة متجددة
وحين تجدد نزاع أمراء البيت السلجوقي على العرش بعد وفاة السلطان ملكشاه سنة 485هـ/1093م؛ كان ذلك من أقوى الأسباب في امتناع رعاياهم عن الحج حينها، ومن حجّ من غيرهم كان ضحية لانفلات الأوضاع الأمنية واستطالة لصوص الأمراء وقُطّاع الطُّرق على المسافرين.
ففي سنة 486هـ/1094م الموالية "لم يحجّ ركب العراق، وحجّ ركب الشام فنهبهم صاحب مكة محمد بن أبي هاشم، ونهبتهم العُربان عشر مرات، وتوصّل مَن سَلِمَ [منهم] في حال عجيبة"؛ حسب الذهبي (ت 748هـ/1348م) في ‘العِـبَـر‘.
وكما أعاقت الصراعات بين الأنظمة السياسية رعاياها عن شهود مواسم الحج؛ كانت الفتن الطائفية السنية/الشيعية بالعراق سببًا إضافيًا في خوف الناس من الإقدام على أداء فريضة الحج، فابن كثير (ت 774هـ/1373م) يذكر -في ‘البداية والنهاية‘- أنه في 441هـ/1050م "اقتتل الروافض (= الشيعة) والسُّنة وجرت ببغداد فتنٌ يطُولُ ذكرها، ولم يحُجّ أحدٌ من أهل العراق"!
ونتيجة لتراخي قبضة العباسيين المركزية على العراق؛ استطاعت قبائل عربية الانفراد بحكم مناطق في شماله وجنوبه، مثل الإمارة المَزْيَدية (388-558هـ/998-1163م) التي كان أشهر أمرائها دُبَيْسُ بن علي الأسدي (ت 474هـ/1082) الذي يتهمه سبط ابن الجوزي (ت 654هـ/1256م) -في ‘مرآة الزمان‘- بموالاة الفاطميين لأنه "كان يرى رأي الباطنية"، وقد بلغت سطوته أنه في 447هـ/1046م "خرَّب أماكن وحرّق غيرها..، ولم يحُج أحد من أهل العراق فيها" بسبب مضايقاته للناس؛ وفقا لابن كثير.
وفي ظل الصراع الأيوبي/الفاطمي ومحاولات أسد الدين شيركوه (ت 564هـ/1169م) وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي (ت 589هـ/1193م) السيطرة على مصر لصالح نور الدين زنكي (ت 569هـ/1173م)؛ لم يستطع المصريون أداء الحج لعامين متتاليين، ففي 562هـ/1167م "لم يبع التّجارُ في مكة شيئًا على عادتهم، لأن حاجّ مصر لم يأتوا لاشتغالهم بما حدث عندهم من القتال"؛ حسب عبد القادر الجَزَري (ت 977هـ/1570م) في ‘الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة‘.
وهو يقصد هنا المعارك التي وقعت بمصر بين الفاطميين والقوات الزنكية. وفي العام التالي تعطل الحج لاستمرار المعارك بين الجانبين؛ فالذهبي يخبرنا -في ‘تاريخ الإسلام‘- أنه في 563هـ/1170م "لم يحجّ المصريون لما فيه ملكهم من الويل والاشتغال بحرب أسد الدين" شيركوه.
وقد شهدت بلادُ الشام عدةَ أحداث كبرى مثل استيلاء الصليبيين على مناطق الساحل وفلسطين منذ عام 492هـ/1099م، ثم سيطرة الزنكيين والأيوبيين على الشام. وفي عصر الضعف الأيوبي بعد وفاة السلطان صلاح الدين وأخيه الملقب بالعادل (ت 615هـ/1219م)، وفي ظل دخول أبناء العادل في الصراع على السلطة بين سنتيْ 624-627هـ/1228-1231م؛ تعطل حج الشاميين لخوف الناس من الخروج إليه، يقول ابن كثير في حوادث سنة 627هـ/1231م: "ولم يحجّ أحدٌ من أهل الشام في هذه السنة، ولا في التي قبلها، وكذا فيما قبلها أيضًا؛ فهذه ثلاثُ سنين لم يَسِرْ من الشام أحد إلى الحج"!!
وحين لمع نجم المماليك في مصر بعد هزيمتهم للصليبيين في دمياط سنة 647هـ/1250م، وبدأ صراعهم -منذ عام 648هـ/1251م- مع أسيادهم الأيوبيين في الشام بقيادة الناصر الثاني الأيوبي؛ أثّر هذا الصراع المملوكي/الأيوبي على الأوضاع الأمنية بالشام ومصر وخاصة في 648هـ/1251م، فـ"لم يحجّ أحد من الشام ولا مصر في هذه السنة"؛ حسبما يؤكده ابن تَغْرِي بَرْدي في ‘النجوم الزاهرة‘.
وتتجلى الظاهرةُ عينُها في الحرب الأهلية المملوكية بين السلطان المخلوع الناصر محمـد بن قلاوون (ت 741هـ/1341م) والسلطان المظفر بيبرس الجاشنكير (ت 709هـ/1310م)، حين عزم الناصر على العودة من الشام مقرِّ منفاه إلى مصر وبدأ الصراع ضد المظفر في 709هـ/1310م فـ"لم يحجّ أحد من الشام لاضطراب الدولة"؛ وفقا لابن تَغْرِي بَرْدي.
شرعية متجاذبة
حين استتب الأمر للعباسيين في أرجاء العالم الإسلامي بعد قضائهم على دولة الأمويين سنة 132هـ/750م؛ صارت لهم تبعية الحرمين الشريفين تحت حكم وُلَاةٍ ينتمون غالبا إلى أسرة بني العباس نفسها، وحين اختلّ حكمهم المركزي أواخر القرن الثالث الهجري استغل أبناء عمهم العلويون ذلك فتولوا بانتظام -بدءا من مطلع القرن الرابع- إدارة مكة والمدينة دون خروج -في الغالب- على شرعية العباسيين، ثم تعززت إدارتهم أكثر مع سيطرة البويهيين -وهم أصلا شيعية زيدية- على عاصمة الخلافة بغداد سنة 334هـ/945م.
وقد عززت سيطرةُ البويهيين تلك نزعةَ الاستقلال عن بغداد لدى مصر الإخشيدية بقيادة كافور (ت 356هـ/967م) الوصيّ على أميرها أُنوجور الإخشيدي (ت 349هـ/960م)، والذي وصل به الأمر أنْ طمح لمنافسة بغداد في إمرة الحج؛ فابن خلدون (ت 808هـ/1406م) يقول -في تاريخه- إنه "جاء الحاجُّ (= الحُجّاج) إلى مكة سنة اثنتين وأربعين [وثلاثمئة] مع أمير من العراق وأمير من مصر، فوقعت الحرب بينهما على الخطبة لابن بويه ملك العراق، أو ابن الإخشيد صاحب مصر؛ فانهزم المصريون وخُطب لابن بويه، واتصل ورود الحاج من يومئذ".
ومنذ سيطرة الفاطميين -وهم شيعة إسماعيلية- على مصر سنة 358هـ/969م -ثم بلاد الشام في العامين التاليين- بدأ الصراع العلني بين القاهرة وبغداد على الحرمين الشريفين، وذلك باعتبار أن السيادة عليهما هي العنوان الأكبر للشرعية الدينية لـ"خلافة" كل منهما في أعين المسلمين.
ومن هنا حرص العباسيون على دفع الفاطميين بكل قوة لمنع سيطرتهم على هذه البقاع المقدسة، بيد أن الفاطميين كانوا أقوى عسكريًا واقتصاديًا في تلك الحقبة التي ترنّح فيها حكم غرمائهم العباسيين، وأحكم البويهيون -المشتركون معهم في الاتجاه الشيعي العام- سيطرتَهم على مقاليد السلطة الحقيقية في العراق.
وبسبب هذا الصراع -الذي تحوّل إلى مواجهة عسكرية- كثيرا ما بطل الحج؛ وهو ما لاحظه الفاسي (ت 832هـ/1429م) -في ‘شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام‘- بقوله إن العراقيين حجوا في 380هـ/991م رغم أنه "من سنة إحدى وسبعين (= 371هـ/982م) لم يحج أحد من العراق، بسبب الفتن والخُلْفِ (= الاختلاف) بين العراقيين والمصريين"، أي بين العباسيين والفاطميين.
ويبدو أن ذروة الصراع بين الدولتين بلغت قوتها في 401هـ/1011م حين انقطعت أفواج رِكاب الحج وخاصة من محاورها الرئيسية الثلاثة: المشرق والمغرب والشمال. وفي ذلك يقول ابن عذاري المراكشي (ت بعد 712هـ/1312م) -في ‘البيان المُغْرب‘- إنه "لم يحج أحد هذه السنة (= 401هـ/1011م) من الشام ولا العراق ولا خراسان ولا سائر الآفاق، إلا أهل اليمن ونفرٌ يسير ممن كان بمكة مجاورا".
ويذكر ابن الجوزي -في ‘المنتظم‘- أنه في 411هـ/1021م "وقعـ[ـت] حرب بين السلاطين عند واسط [بجنوبي العراق] فاشتدت مجاعتهم..، وبطل الحج في هذه السنة". ويرصد الإمام السيوطي -في ‘حسن المحاضرة‘- سبعة مواسم حج متوالية (بين سنتيْ 417-423هـ/1027-1033م) لم يحضر العراقيون ستة منها بسبب الأوضاع في بلادهم، وفي بعضها "لم يحج أحد من أهل المشرق ولا من أهل الديار المصرية أيضا"!
سعي للاستقلال
وفي سنة 430هـ/1040م تجدد الصراع الشرس بين العباسيين والفاطميين معرقلا أداء الناس لفريضة الحج من كافة بقاع العالم الإسلامي؛ فـ"في سنة ثلاثين وأربعمئة تعطل الحج من الأقاليم بأسرها، فلم يحج أحد لا من مصر ولا من الشام، ولا من العراق ولا من خراسان"؛ وفقا لتعبير السيوطي ذاكرا عدة مواسم حج "تفرد [فيها] بالحج أهلُ مصر" خلال سنوات 430-445هـ/1040-1054م.
وقد عمل حكام الحرمين الهاشميون على إعداد قوة عسكرية مسلحة لضمان استقرار ملكهم أمام هذه التقلبات السياسية المحتدمة بين الدولتين الكبيرتين، وكثيرا ما استغل هؤلاء لحظات الضعف للبحث عن مكاسبهم الخاصة، وكان لهذا الاستغلال آثاره على منع الحج وإلغائه.
فالجزري يفيدنا بأنه في 512هـ/1118م قام "أمير مكة قاسم بن أبي هاشم الحسني [فـ]ـعَمر مراكب حربية وشحنها بالمقاتلة، وسَيَّرهم إلى عَيْذاب (= ميناء مصري كان على البحر الأحمر) فنهبوا مراكب التجار وقتلوا منهم جماعة، فحضر مَن سَلِم منهم إلى باب الأفضل ابن أبي الجيوش (ت 515هـ/1121م) وزير الديار المصرية، وشكوا [إليه] ما أُخِذ منهم".
لم يقف وزير الفاطميين الأفضل الجمالي أمام هجمات حكام مكة على أهم ميناء مصري، فأصدر قراره الانتقامي سنة 514هـ/1120م الذي "مَنَعَ.. الناسَ أن يحجّوا وقطع الميرة عن الحجاز"؛ وفقا للجزري.
وأمام منْع الوزير الأفضل للمصريين من الحج، الذي يبدو أنه شمل معهم أيضا رِكاب المغاربة والأفارقة وسواهم ممن كان يلحق بهم آنئذ؛ اضطر أشراف مكة إلى الرضوخ لطلبات القاهرة، فـ"كتب الشريف قاسم إلى الأفضل بعوْد ما أخذه من التجار إلى أربابه، ومن قـُـتِل من التجار ردّ له ماله لورثته، وأعاد الأموال في السنة التي بعدها". ويخبرنا ابن الجوزي -في ‘المنتظم‘- أن الحجاج في 557هـ/1162م "وصلوا إلى مكة فلم يدخلـ[ـها] أكثرهم لفتن جرت، وإنما دخلت شرذمة يوم العيد فحجوا، ورجع الأكثرون إلى بلادهم ولم يحجوا"!
وفي مكة المكرمة نفسها؛ كان عقد خمسينيات القرن السابع حافلا بالصراع على إمارتها بين أشرافها وسلطان اليمن المظفر الرسولي (ت 694هـ/1295م)، فانعكس ذلك على مواسم الحج بالتعطيل مرات متعددة.
فمؤرخ مكة عبد الملك العصامي (ت 1111هـ/1700م) يسجل -في ‘سمط النجوم العوالي‘- أن عساكر هذين الطرفين في سنة 653هـ/1255م "تقاتلوا وسط مكة.. وسُفكت الدماء بالحرم الشريف، وامتلأت البلد منهم رُعباً بحيث لم يصلّ في الحرم أحد، ووقع بينهم في أيام الحج وبين أمير الحاج العراقي فتنة درأها الله تعالى بالصلح، فسلِم المسلمون". ثم يضيف أنه في موسم حج 655هـ/1257م "لم يحج أحد من أهل الحجاز ولم تُرفع راية من رايات الملوك لأحد بمكة"!!
سوابق خطيرة
ظهر القرامطة الباطنية (278-398هـ/892-1008م) في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري بجنوب العراق، وسرعان ما أسسوا لهم كيانا سياسيا جعلوا عاصمته بلدة هَجَر التي كانت بمنطقة الأحساء شرقيّ السعوديّة اليوم، ودأبوا على مهاجمة المناطق الخاضعة للعباسيين في جنوبي العراق وغيره.
وفي سنة 313هـ/926م أرادوا الاستيلاء على البصرة والأهواز، "فسار [جيشهم] مِن هَجَر يُريد [ركب] الحاجّ" القادم من ناحية الكوفة، واستطاع هزيمة القوات العباسية فـ"دخل المنهزمون بغداد…، وخاف أهل بغداد وانتقل الناسُ إلى الجانب الشرقي [منها]، ولم يحُجّ في هذه السنة من الناس أحد"؛ طبقا لابن الأثير في ‘الكامل‘.
ويحكي الذهبي -في ‘العِـبَـر‘- أنه في 314هـ/927م "لم يحجّ أحد من العراق خوفا من القرامطة، [بل] ونزح أهل مكة عنها خوفا منهم". وأما تقي الدين الفاسي فيؤكد -في ‘شفاء الغرام‘- أن ذلك المنع امتد في السنتين اللاحقتين؛ فـ"لم يحج إلى مكة أحد من العراق.. هذه الثلاث سنين للخوف من القرمطي".
أما في سنة 317هـ/930م؛ فقد تمكن القرامطة -بقيادة أبي طاهر الجنّابي (ت 332هـ/944م)- من مهاجمة مكة المكرمة ذاتها فأحدثوا بها واحدة من أبشع مجازر الحرم في تاريخ الإسلام، حتى إن الذهبي يروي -في ‘العِـبَـر‘- أن جيشهم "قتل بفِجاج مكة وظاهرها زهاء ثلاثين ألفا، وسبى من النساء والصبيان"!!
وعن ذلك يقول المسعودي (ت 346هـ/957م) في ‘التنبيه والإشراف‘: "ومنها أن الحج بطل فلم يُحج في 317هـ/930م لدخول أبي طاهر.. الجنّابي القرمطي.. مكةَ، وكان دخوله إياها يوم الاثنين لسبع خلون من ذي الحجة، ولم يبطل الحجُّ -منذ كان الإسلامُ- غير تلك السنة"!!
ثم استكمل القرامطة جرائمهم في الحرم باقتلاع باب الكعبة والحجر الأسود الذي أخذوه معهم إلى هَجَر، ولم يردوه إليها إلا في 339هـ/950م بتدخل من الفاطميين في تونس، وقد كانت العلاقة المذهبية تجمع الطرفين حينها قبل انفصامها إثر انتقال الدولة الفاطمية إلى مصر؛ يقول ابن خلدون -في تاريخه- إنه في 317هـ/930م "تعطل الحاج بسبب القرامطة، وردّوا الحجر الأسود سنة تسع وثلاثين [وثلاثمئة] بأمر [الخليفة الفاطمي] المنصور العلوي (ت 341هـ/953م) صاحب أفريقية، وخطابه في ذلك لأميرهم أحمد بن أبي سعيد (ت 359هـ/970م)".
وكان لجرائم القرامطة المروعة في الحرم الشريف أكبر الأثر في انقطاع الحج أعواما كثيرة طوال القرن الرابع الهجري؛ فها هو سبط ابن الجوزي يقول: "الظاهر أنه لم يحجّ أحد [من] سنة سبع عشرة وثلاثمئة إلى سنة ستّ وعشرين وثلاثمئة خوفا من القرمطي".
بل إن ابن تَغْرِي بَرْدي يؤكد لنا -في ‘النجوم الزاهرة‘- أن الخطر القرمطي ظل قائما حتى نهاية العقد الرابع من هذا القرن؛ فيذكر أنه في 335هـ "لم يحجّ أحد من العراق خوفا من القرامطة"، وفي 338هـ "تحرّكت القرامطة ولم يحجّ أحد في هذه السنة من العراق".
ويفهم من كلام ابن خلدون أن القرامطة لم يتخلَّوا عن منع الحج مطلقا إلا بوساطة ثانية، ومقابل اتخاذهم خطوة أخرى غير مسبوقة تاريخيا كأفعالهم السابقة، وهي أخذ رسوم على الحجاج ليسمحوا لهم بالعبور.
فقد قال ابن خلدون -في تاريخه- إن نقيب العلويين بالكوفة أبا علي عمر بن يحيى (ت 350هـ/864م) راسل سنة 327هـ/939م زعيمَ القرامطة أبا طاهر الجنّابي، مقترحا عليه "أن يُطلق السبيل للحجاج على مَكْسٍ (= ضريبة) يأخذه منهم، وكان أبو طاهر يعظمه لدينه ويؤمِّله، فأجابه إلى ذلك وأخذ المَكْس من الحجاج، ولم يُعهد مثله في الإسلام"!!
لكننا نجد خطر منعهم الحج يعود مجددا في نهاية القرن؛ ففي 384هـ/995م "رجع الحاجّ إلى بغداد ولم يحجّ أحد من العراق خوفًا من القرامطة"؛ وفقا لابن تَغْرْي بَرْدي في ‘النجوم الزاهرة‘.
أولوية للمقاومة
وكما كان الصراع السياسي الدامي -من حول منطقة الحرمين وعليها- سببا في تعطيل الحج طوال القرون؛ فإن الاجتياحات الأجنبية للمنطقة كان لها من ذلك نصيب وافر. ففي سنة 615هـ/1218م بدأ خروج المغول من بلادهم بمنغوليا وشمال الصين للقضاء على الدولة الخوارزمية المتاخمة لهم في تركستان ووسط آسيا، تمهيدا لاحتلالهم كافة مناطق إيران وهجومهم على مركز الخلافة العباسية بالعراق.
وكان ذلك الخروج سببًا جوهريًا لانقطاع ركب الحاج القادم من مناطق خراسان وما وراءها سنين عددًا؛ ففي 617هـ/1220م بدأت نتائج هذا الغزو في الظهور تباعًا، حتى إنه -كما يقول أبو شامة المقدسي (ت 665هـ/1277م) في ‘الذيل على الروضتين‘- في تلك السنة "لم يحج أحد من العجم بسبب التتار".
وفي موسم الحج التالي سنة 618هـ/1221م "لم يحج أحدٌ من بلاد الأعاجم ولا من همَذان ولا من أصبهان، لخوف الطريق من انتشار الكفرة في البلاد وما يليها"؛ حسبما أورده الجزري. وطوال الأعوام التالية (615–628هـ/1218-1231م) ظل الحج مستعصيًا على ملايين الناس في تلك المناطق؛ بل إن الإمام ابن كثير يحدثنا بأنه "لم يحجّ الناس بعد هذه السنة (= 628هـ/1231م) أيضًا لكثرة الحروب، والخوف من التتار والفرنج"!
ثم كانت سنة 630هـ/1233م وما تلاها هي بداية هجمات التتار المدمرة على العراق، الأمر الذي اضطرت معه السلطات إلى منع العراقيين من الخروج للحج، ولذلك "لم يحُجَّ ركبُ العراق في هذه السنين للاهتمام بأمر التتار"؛ طبقا للذهبي في ‘تاريخ الإسلام‘.
ويقول الفاسي إنه في 634هـ/1237م "لم يحج.. ركب العراق، ولم يحج أيضا العراقيون خمس سنين متوالية بعد هذه السنة، من سنة خمس وثلاثين إلى سنة أربعين [وستمئة]". وهو ما يؤكده الذهبي بقوله إنه "لم يحجَّ أحدٌ أيضا في [هذا] العام (= 635هـ/1238م) من العراق بسبب كَسرة التتارِ لعسكرِ الخليفَة، وأَخْذِ إربل في السنة الماضية".
لقد كان قرار الخليفة العباسي المستنصر بالله (ت 640هـ/1243م) أمام هجمات المغول هو وضع أولوية جهادية للمقاومة، تستلزم مشاركة الجميع في الدفاع عن العراق والعاصمة بغداد، حتى ولو كان النفير للجهاد على حساب النفرة إلى الحج. ومن هنا فإنه في "سنة أربع وثلاثين وست مئة لم يحج [الركب] العراقي بسبب أن التتر دخل بغداد، فجمع [الخليفة] المستنصر العلماء وسألهم ترك الحج للجهاد، فأفتوه بذلك"؛ حسبما أورده الجزري في ‘الدرر الفرائد‘.
ورغم وفاة المستنصر سنة 640هـ/1243م فقد تواصل تعطيل حج العراقيين حتى عام 650هـ/1252م، وفقا لما يذكره سبط ابن الجوزي المعاصر لتلك الأحداث، وذلك بقوله إنه في 650هـ/1252م "حجَّ النَّاسُ من بغداد بعد عشر سنين بَطَلَ الحج فيها؛ منذ مات المستنصر وإلى هذه السنة"!
وافد جديد
وفي نهاية المطاف أسقط المغول الخلافة العباسية في بدايات عام 656هـ/1258م، فسيطروا على بقية العراق ثم الشام في العام التالي، وحاولوا التمدد غربا فردهم المماليك -القادمون من مصر- على أعقابهم إلى العراق. وفي تلك الأثناء ظل ركب العراق مُعطّلا عن أداء شعيرة الحج بسبب احتلال المغول لقُطرهم مدة عشر سنوات كاملة؛ ففي "سنة ست وست [وستمئة] حجَّ [الركب] العراقي من بغداد، وهي أول حجّة حَجُّوا فيها بعد غلبة التتار على بغداد" سنة 656هـ/1258م؛ كما يذكر الجزري.
ورغم استيلاء المغول على مستقر الخلافة العباسية مؤسسين الدولة الإيلخانية المغولية، واعتناقهم للإسلام منذ بدايات القرن الثامن الهجري؛ فإن صراع أمرائهم على العرش بعد وفاة السلطان أبي سعيد خُدَبَنْدا (أو خَرْبَنْدا) سنة 736هـ/1336م أدى مجددا إلى إبطال تنظيم رحلات الركب العراقي إلى الحج، وهو ما يسجله الفاسي بقوله إنه في "سنة ست وثلاثين وسبعمئة لم يحج الركب العراقي..، لموت السلطان أبي سعيد بن خَرْبَنْدا ملك العراقيين واختلاف الكلمة بعده، ودام انقطاع الحج من العراقيين سنين كثيرة".
ومن رحم الإيلخانيين خرج التيموريون المغول -في وسط آسيا وعاصمتهم سمرقند- بزعامة القائد الأوزبكي تيمورلنك (ت 807هـ/1405م)، ذلك السفاح الأعرج الذي اجتاح الشام سنة 802هـ/1399م والعراق 803هـ/1400م ثم غزا الأناضول 805هـ/1402م؛ فدمّر كثيرا من العمران وارتكب أكبر المذابح في ذلك الوقت.
وكانت أشهر تلك المجازر مذبحة وحريق دمشق؛ فـ"في سنة ثلاث وثمانمئة لم يحُج من الشام أحد على الطريق المعتادة، وسبب ذلك أن تيمورلنك قصد البلاد الشامية في هذه السنة واستولى عليها وأخربها؛ وكان ما حصل من الخراب بدمشق أكثر من غيرها من البلاد الشامية بسبب إحراق التترية لها لمّا استولوا عليها"؛ حسبما يذكره الفاسي.
وفي تلك السنوات نفسها؛ يخبرنا المقريزي (ت 845هـ/1441م) -في كتابه ‘السلوك‘- أنه في 804هـ/1401م "لم يحج في هذه السنة أحد من الشام ولا العراق ولا اليمن"، دون أن يحدد سببا لذلك، فربما كان مرتبطا بحروب وهجمات التيموريين التي استمرت فيما بعدُ، بحيث اضطُر العراقيون إلى إبطال حجهم في بعض السنين، فـ"لم يحج العراقيون من بغداد في سنة إحدى وعشرين وثمانمئة، ولعل سبب ذلك ما قيل من أن الملك شاه رُخ بن تيمورلنك (ت 851هـ/1447م) أخذ [مدينة] تبريز من قرا سنقر [التركماني] والد صاحب بغداد"؛ وفقا للفاسي.

Related Keywords

Ahvaz ,Khuzestan ,Iran ,Jerusalem ,Israel General ,Israel ,Red Sea ,Djibouti General ,Djibouti ,Ibn Khaldun ,Ash Sharqiyah ,Saudi Arabia ,China ,Erbil ,Liwa Irbil ,Iraq ,Yemen ,Damietta ,Dumyat ,Egypt ,Bani Hilal ,Ad Daqahliyah ,Aleppo ,Lab ,Syria ,Qin Sham ,Al Ma Wit ,Haram ,Esfahan ,Turkmenistan ,Morocco ,Tabriz ,Az Arbayjane Sharqi ,Khorasan ,Kordestan ,Damascus ,Dimashq ,Mintaqat Al Hijaz ,Idlib ,Uzbekistan ,Mamluk ,Tehran ,Jordan ,Sarbab ,Zanjan ,Tunisia ,Cairo ,Al Qahirah ,Zubayr ,Babil ,Baghdad ,Wizarat Ad Dakhiliyah ,Mecca ,Makkah ,Palestine ,Egyptians ,Moroccan ,Iraqis ,Egyptian ,Iraqi ,Uzbek ,Al Qadir ,Ben Hassan ,Muhammad Ben ,Nasser Muhammad Ben Qalawun ,Salem Ayashi ,Fajhi Mahdi ,Mamluksa Hejaz ,Ahmad Ben ,Ali Omar Ben Yahya ,Imam Ibn Asakir ,Hashem Al Hassani ,Ibn Idhari Marrakech ,King Shah Ben ,Abd Allah ,Ahmad Moussawi ,Hassan Ben ,Amr Allah ,Sheikh Zarrouk Fassi Maliki ,Ben Hatem ,Abdul King ,Brown Hassan ,Muhammad Ibn Ahmad Al Fasi ,Matt Mustansir ,Aslan Tekin ,Abu Al Husayn Ben ,Bmwalah Fatimids ,Ben ,Imam Suyuti ,A Abu Tahir ,Sheikh Muhammad Bakhit ,Ali Asadi ,Zdat Tigris ,Iraq Center ,Center Asiaa Baghdad ,Center Asia ,Center Mecca ,Jihad Tatar ,Holy Mosques ,Mecca Or Territories ,Thar Alawites ,Egypt Abbasi ,Asia Central ,Mosul Ben ,Fatimid Al Hakim ,River Tigris ,Palestine Hassan Ben ,Fatimids Cairo ,Sultan State ,House Seljuk ,Mecca Muhammad Ben ,Abbasids Central ,Controlling Egypt ,Abd Al Qadir ,News Haj ,Country Sham ,State Umayyad ,Son Khaldun ,King Iraq ,Southern Iraq ,Monitors Imam Suyuti ,Holy Hashemites ,Amir Mecca ,Sport Egyptian ,Minister Fatimids ,Books Sharif ,Mecca Movie ,Sultan Yemen ,Mecca Abdul King ,Amir Haj Iraqi ,Al Ahsa East Saudi Arabia ,South Iraq ,Menhsmon Baghdad ,Din Muhammad ,Golden Leroy ,Fatimid Caliphate ,Black Stone ,Caliph Fatimid ,Speech Ibn Khaldun ,Abu Tahir ,North China ,Caliph Abbasi Mustansir God ,Championing Iraq ,Horn Jihad ,West Mamluks ,State Mongol ,Said Ben King ,Commander Uzbek Tamerlane ,Fire Damascus ,King Shah Ben Tamerlane ,Haj Shami ,Capitals Central ,Commander Turkish Saad ,State Damascus ,State Saad ,Son Jawzi ,Books Haj ,North Cairo ,Bida Green ,Hail North Saudi Arabia ,Amir Arabs ,Sultan General ,Aftalt Salutation ,Ahmad Ben Mahomet ,Badr Ben Kurdish ,Prince Bedouin ,Abu Abdul God Ben ,Abdul God ,North Arabia ,Jordan Released Ben ,Hail Saudi Arabia ,Ages Islamic ,Baghdad Or Damascus Cairo ,Anthab Amir Mecca Muhammad Ben ,Sultans Egypt Mamluks ,Island Arabs ,Abbasid Caliphate ,Caliph Abbasi ,Mecca House ,Baghdad Khorasan ,Abu Isaac Bat ,Moroccan Utilities ,Ibn Jubayr Andalusian ,Dakhiliyah Egyptian Xxix ,Mufti Egypt ,War European ,House Fatwa Egyptian ,இரண் ,ஏருசலேம் ,இஸ்ரேல் ,சிவப்பு கடல் ,இப்ந் கல்துங் ,சவுதி அரேபியா ,சீனா ,ஏற்பில் ,இராக் ,யேமன் ,டாமியிட்ட ,எகிப்து ,விளம்பரம் டக்குளிய ,அலெப்போ ,ஆய்வகம் ,சிரியா ,அல் மா அறிவு ,ஹராம் ,டர்க்மெனிஸ்தான் ,மொராக்கோ ,டமாஸ்கஸ் ,உஸ்பெகிஸ்தான் ,தெஹ்ரான் ,ஜோர்டான் ,அர்பப ,துனிசியா ,கெய்ரோ ,பாக்தாத் ,மெக்கா ,மக்கா ,ப்யாலெஸ்டீந் ,எகிப்தியன் ,இராகி ,யூஸ்பிக் ,பென் ஹாசன் ,முஹம்மது பென் ,அப்த் அல்லாஹ் ,ஹாசன் பென் ,அமர் அல்லாஹ் ,பென் ,அலி அசாடி ,இராக் மையம் ,மையம் ஆசியா ,பரிசுத்த மசூதிகள் ,ஆசியா மைய ,அப்த் அல் காதிர் ,தெற்கு இராக் ,தின் முஹம்மது ,கருப்பு ஸ்டோந் ,வடக்கு சீனா ,வடக்கு கெய்ரோ ,வடக்கு அரேபியா ,போர் ஐரோப்பிய ,

© 2025 Vimarsana

comparemela.com © 2020. All Rights Reserved.